هجوم لبث بدرع البأس مشتمل
فالتفت الشعراء بعضهم إلى بعض، وقال النحلي - وكان أعرقهم في الملق وطرق الاستجداء: «والله لن يستطيع شاعر أن يقول شعرا بعد هذا، أكسدت علينا بضاعتنا يا مولاي، وتشبث الشعراء برأي النحلي، بعد أن وثق كلا منهم من الجائزة، ففرق عليهم المعتمد الجوائز في إغداق وإسراف، وأمر أن تنصب الموائد وتمد الأسمطة لأهل قرطبة ثلاثة أيام.
ثم اجتمع المعتمد بابن عمار والهوزني وقال: إن دولة بني ذي النون ضعفت بموت المأمون، والفرصة اليوم سانحة للإغارة على بلاده، وضمها إلى ملكنا. فقال الهوزني: نعم يا مولاي. إن القادر بن المأمون حدث غر، ليس فيه شيء من صفات الملوك، غير أن الأذفونش (ألفونسو) يحالفه ويناصره، ويذود عنه، حتى ليقال: إن المأمون قبل موته، أوصى الأذفونش بحماية ابنه. فقال المعتمد: الأذفونش صديقنا، ونحن نمنحه مالا وهدايا في كل عام. فقال ابن عمار: الأذفونش تاجر، يتجر بقوته وجنوده وهو يمنحهما من يعطيه أغلى ثمن، وقال الهوزني: ثم إن مولاي وقد أصبح أقوى ملك بالأندلس، يحسن به ألا يقتصر على فتح بلاد بني ذي النون؛ بل أرى أن تتوجه همة مولاي إلى بني الأفطس ببطليوس، وبني صمادح بألمرية. فقال ابن عمار: هذه الأماني لا تتحقق إلا بوسيلتين: كثرة عدد الجيوش المقاتلة، وعدد مقاتلينا لا يكفي، ثم باتقاء شر الأذفونش واجتذابه إلى جانبنا. فقال الهوزني: هذا سهل هين ... نعقد معه معاهدة على أن يمدنا بجنود من قشتالة وعلى ألا يساعد علينا عدوا، ولو كان ابن صديقه المأمون. فقال ابن عمار: إن الأذفونش سيغالي في الثمن. فقال المعتمد: ليغال ما يشاء ... لابد أن أملك الأندلس كلها. فقال الهوزني: هذا يوم يا مولاي سيكون أغر محجلا في التاريخ، وأود أن أعيش لأسمع ما يقول شعراؤنا فيه، وأنت جالس على عرشك تحكم الشرق والغرب. ثم قال المعتمد: قم أبا بكر واذهب إلى الأذفونش، واستعمل معه أساليب مكرك ومحالك، ولا ترجع إلا والمعاهدة في يدك. فقال ابن عمار: على أن تكون بلنسية في يدي الأخرى.
ورحل المعتمد مع الهوزني إلى إشبيلية، بعد أن ترك ابنه المأمون أميرا على قرطبة، وبعد أن ودع ابن عمار ورجا له التوفيق في سفارته. جد ابن عمار في السير إلى مدينة قورية بعد أن علم أن ألفونسو مقيم بها، حتى إذا وصل إلى القصر، رأى ملك الإسبان في بهوه الملكي، ورأى زوجته أجنيس بنت دوق جويانة، جالسة بجانبه، وكانت رائعة الطلعة فائقة الجمال، وكان العرب يلقبون زوجة ملك الإسبان بالقمجيطة، فسلم عليهما ابن عمار، ثم أخذ مجلسه بعد أن أحسن ألفونسو تحيته، وقال: أي ريح سعيدة بعثت بك إلينا؟! - دعني أولا يا سيدي أملأ عيني من جمال القمجيطة، فقد بهرني حسنها، وأذهل عقلي، وأضاع تفكيري ... هكذا تكون زوجات عظماء الملوك!!
فقالت أجنيس: ماذا يقول العربي؟؟ - يقول: إنه فتن بحسنك وسحر بجمالك، حتى فقد عقله.
فضحكت في سرور وإدلال، وقالت: قل له: أليس عند ابن عباد من هن في جمالي؟ فلما نقل ألفونسو سؤالها إليه قال: في قصر ابن عباد أمثالها؟، ... ولا في جنة الخلد.
ثم التفت إلى صورة للعذراء معلقة بالحائط، وقال: في هذه الصورة الجميلة شبه قليل منها.
سر ألفونسو لإطراء زوجته، وترجم لها ما قاله ابن عمار، فقالت لزوجها: سله أي شيء في وجهي كان أكثر تأثيرا في نفسه، فترجم له ألفونسو فقال: لقد أوقعتني هذه الدرة الإسبانية المتلألئة في حيرة أخرى ... عيناها أجمل ما في وجهها ... إنهما مغناطيستان تجتذبان العقول ... لا. بل خداها ثم ثغرها الفاتن وهو عقيق يغطي عقدين من لآلئ الجنة، نظمتها يد الرحمن ... لا يا سيدي، قل لها: إن كل شيء فيها حسن، وإنها فتنة للناظرين.
فلما بلغها ألفونسو ما قاله، زادت زهوا ودلالا، وقالت: سله أهو شاعر؟؟
فقال ابن عمار: قل لها يا سيدي: إن محاسنها لا تحتاج إلى شعر شاعر، إنها وحدها قصيدة نظمها الزمان، لتكون آية الزمان.
অজানা পৃষ্ঠা