শায়ির আন্দালুসি
شاعر أندلسي وجائزة عالمية
জনগুলি
أما الظاهرة الأخرى فهي هذه الظاهرة الحديثة، التي أصبحت أسبانيا فيها موطن الأدب الأصيل بعد انتقال المهاجرين منها إلى أوطانهم المختارة في أقطار أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية.
والمقابلة بين الظاهرتين تسفر عن تشابه قريب بين آثار الهجرة في الأدب العربي المنتقل إلى الأندلس، وآثار الهجرة في الأدب الأندلسي المنتقل إلى البلاد الأمريكية.
فالشعور بالانفصال من أصل عريق يحدث في نفوس الجاليات المنتقلة منه أثرين متلازمين يخيل إلينا عند النظرة الأولى أنهما متناقضان أو متعارضان، وإنما هما شيء واحد يستقبله النظر من ناحيتين.
إن أثر الشعور بالانفصال أن تختلف عوامل البيئة حتما واضطرارا، سواء أراد المنفصلون ذلك الاختلاف أم لم يريدوا، ولكنهم كلما اختلفوا زاد بهم الحنين إلى موطنهم الأصيل، والاعتزاز بماضيهم البعيد، وقد يبالغون في ذلك مبالغة المشفق من الضياع بين مصير الأدعياء الذين يقال عنهم إنهم تركوا أصولهم وتركتهم، ومصير اللصقاء الذين ينزلون بين قوم يرفضونهم ولا يرحبون بانتسابهم إليهم.
فالجاليات تنطلق من قيود العادات والتقاليد التي فارقتها، ولا تلبث أن ترى أنها تغيرت باختيارها، وعلى الرغم منها وأنها تستريح إلى هذا التغير أحيانا وتتبرم به أحيانا أخرى، ولكنها لا تنسى أصولها، ولا تزال تناظرها من بعيد مناظرة الند للند، والشريك للشريك، وتود لو أنها سبقتها في صيانة النسب، وزادت عليها بالنسب المكتسب، فلا يقال عنها إنها فرع منقطع عن أرومتها، بل يقال عنها إنها جذور الشجرة نبتت في التربة الجديدة، فجادت بالثمرة التي لا تجود بها في تربتها. •••
والذي حدث بعد انتقال الأدب العربي إلى وطن الهجرة في الأندلس أنه تأثر وأثر، وأن أثر الانتقال إلى أحوال المعيشة في الوطن الجديد ملحوظ في شعره ونثره وفي مبناه ومعناه.
فالأسلوب العربي - الأندلسي - أسهل وأبسط وأقرب إلى الترخص والسلاسة، كأنه وسط بين اللغة الفصيحة ولغة المعيشة اليومية؛ فإن الناطق بالعربية تعود بين المتكلمين بها من الغرباء عنها أن يقيس لغته إلى لغتهم، فلا يحس بالإسفاف والخطأ بالقياس إليهم، ولا يزال يرى في لهجته الشائعة أنها أفصح وأقوم من لهجاتهم، وأن لهجته الشائعة على إسفافها لا تزال مطلبا رفيعا فيما يحاوله الأعاجم من حكايتها وفهمها.
وقد سرت السهولة إلى أنماط البلاغة ومعانيها، فأصبح العربي والأندلسي أقرب إلى التصرف وإلى مجاراة أحوال المعيشة في وطن الهجرة، ولعل المسألة هنا مسألة استطاعة، لا مسألة روية ومشيئة؛ فإن المنقطع عن وطنه القديم لا يستطيع أن يحافظ على أحواله وأطوار معيشته، كما يستطيع ذلك أهلوه الذين يصبحون ويمسون بين تلك الأحوال والأطوار ، ولا يتكلفون جهدا ولا حركة في المحافظة عليها.
وقد ظهر أثر البيئة الطبيعية وأثر الحياة الاجتماعية معا في أعز الفنون على السليقة العربية وهو الشعر؛ فكثر فيه وصف البساتين والرياض وذكر الجداول والأنهار، وتوسع الشعراء في تعديد القوافي الذي بدأ في المشرق بالتسميط والازدواج، ولم يتوسع المشرقيون فيه لقلة الحاجة بينهم إلى الغناء المشترك والإيقاع على حركات الرقص في الحلقات الجامعة التي يشترك فيها المنشدون والمنشدات، فلم يترك الشاعر العربي الأندلسي قافيته التي انفردت بها القصيدة العربية، بل احتال على التوفيق بينها وبين تنويع الأدوار للمنشدين والمنشدات بالإكثار من مواضع القافية وتوزيعها على حسب مواضع الإعادة والترديد.
ووضح الفرق بين المحافظة ومجاراة البيئة والوقت في موضوعات الفكر والعلم، كما وضح في موضوعات الفن والأدب، فلم يعتصم ابن رشد - فيلسوف الأندلس الأكبر - باستقلال المحافظة أمام الحكمة اليونانية، ولم يحاول أن يلحقها على وجه من الوجوه بالحكمة المشرقية، بل كاد يكون في شرحه لفلسفة أرسطو ودفاعه عنها أشد حرصا على آراء الفيلسوف من الأوروبيين ورثة الثقافة اليونانية، ولعله كان حريا أن يعتدل في الدفاع عنها لو أنه أخذها من الغرب وتلقاها من مصادرها الأوروبية، ولكنه دافع عنها دفاع من يعلم أنها بضاعته جاء بها إلى الغرب، كما جاء إليه بثقافته العربية، فلم يشعر قبلها بعصبية الغربة والغرابة، التي تنبه في الذهن نزعة المقاومة والاعتراض، بل رأى المقاومة لها والاعتراض عليها من الغرب نفسه قبل أن يراهما من أبناء قومه، فلم يقف منها موقف زملائه المشرقيين، ولم يقابلها بالمحافظة أو بالنفور.
অজানা পৃষ্ঠা