مدرسة الحديث في مصر
مدرسة الحديث في مصر
প্রকাশক
الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية بالقاهرة
সংস্করণের সংখ্যা
-
জনগুলি
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله الذي شرح صدورنا بالكتاب والسنة أصل الإسلام وجماع الدين، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله محمد ﷺ المبعوث رحمة ونعمة وهدى للعالمين، أرسله الله إلى الناس بقرآن يتلى هداية ونورا: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ ١ وسنة تروى بيانًا لهذا القرآن: تفصل مجمله، وتوضح مبهمه، وتكشف للناس ما خفي منه، وتضيف إليه كثيرا مما لم يرد فيه، فهدى الله أناسًا إلى اتباع سنته، ووفقهم لخدمتها بحفظها وروايتها وأرشدهم إلى تنقيتها والدفاع عنها، وسخرهم لجمعها وتدوينها ونشرها، ثم جند لها من العلماء من يسر تداولها وقرب جناها، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه صلاة وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين:
وبعد: فقد رأيت العلماء منذ فجر الإسلام قد بلغت عنايتهم بالقرآن الكريم درجة تفوق الوصف، وكان لكل منهم في ذلك منهجه الذي تميز به، فمن مفسر يبين أسلوبه ويوضح غريبه، إلى شارح يجلي آياته ويربط سوره، ويذكر أسباب نزوله، ومن مهتم بقراءاته وتوجيه رواياته، إلى معنى بإعراب جمله وبيان مفرداته، ومن بليغ يحرص على إبراز بيانه ومعانيه، إلى فقيه يلتمس أدلة الأحكام فيه.
ولم تكن هذه العناية بالقرآن أمرًا غريبًا من المسلمين، فإنه الكتاب الذي نزل على نبيهم، وإنه الهدى بعد الضلال، والعز بعد الذل، والغنى بعد الفقر، وإنه -فوق ذلك- النور الذي أضاء حياتهم، ووضع به الله أقدامهم على الطريق: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾ ٢.
أما السنة، فإنها وإن وجدت على مدى العصور، من يهتم بأمرها ويعنى بشأنها، إلا أنها لم تبلغ في ذلك مبلغ القرآن الكريم، وقد كانت جديرة بذلك؛ لأنها تناولت بالشرح والتفصيل كل أمور الدين، ولأنها المرآة الصافية لحياة النبي ﷺ وحياة آله وصحبه، وبقدر ما يتمثل المؤمنون في نفوسهم هذه الحياة الكريمة أسوة واقتداء تكون درجتهم من صدق الإيمان واليقين، ولأن ما تلقيناه من السنة عن السابقين كان من الغزارة بحيث بلغ مئات الألوف من الأحاديث.
_________
١ سورة هود من الآية: ١.
٢ سورة الشورى الآيتان ٥٢، ٥٣.
1 / 3
والآثار، ولأنها لم تكتب كما كتب القرآن في العصر الأول، بل كان اعتماد الصحابة فيها على حفظ الصدور، ثم تداولها من الطوائف حديثة العهد بالإسلام -وفيهم الكثير ممن كاد للإسلام وأهله عن طريق الدس في السنة والكذب على رسول الله ﷺ ما وضع بعضًا من الأحاديث موضع الشك، وما جعل السنة في جملتها لا تحظى بالإجماع الذي حظي به القرآن الكريم، وأخيرًا لأن كل عناية بالسنة إنما هي في الواقع عناية بالقرآن؛ لأنها الشارحة له، والمبينة لما جاء فيه، فكل جهد يبذل في سبيل تنقيتها وتجليتها وتبويبها وتصنيفها، وتقديمها إلى الدارسين والعاملين في وضوح لا لبس معه هو جهد مبذول في الحقيقة للعناية بكتاب الله ﷿.
من أجل هذا، ولإبراز دور مصر في خدمة السنة، وتقديرًا لجهود العلماء فيها على مدى الأجيال وتعاقب السنين استنهاضًا للهمم وشحذا للملكات رأيت أن أوجه عنايتي إلى دراسة السنة في مصر، ووقع اختياري على تلك الفترة التي حظيت دراستها فيما بنصيب كبير، وكان علماؤها الأعلام في مركز الصدارة لعلماء المسلمين في كل أنحاء الدنيا، لعل ذلك يكون حافزًا على دراسة السنة في كل بلد دخله الإسلام، وباعثًا على جعل دراستي هذه بداية لسلسلة من الدراسات يقوم بها المتخصصون في السنة في مسارها عبر القرون منذ عهد النبوة إلى وقتنا الحاضر.
ولعل ذلك أيضًا يكون دافعًا لأبناء هذا البلد العريق أن يصلوا حاضرهم بماضيهم في العناية بحديث رسول الله ﷺ، فينهضوا للدفاع عنه، ويعملوا على بعث الكنوز المدفونة والذخائر الموروثة منه بعد رقود طال أمده.
إن مصر التي احتضنت الإسلام وسعدت به، واستمتعت منه بدفء الإيمان وحرارة اليقين، فانتصرت به على أعدائها في الداخل والخارج ليسعدها اليوم أن تعاود الكرة من جديد، وأن تتحمس لإحياء سنة رسول الله ﷺ، ففي إحيائها لها حياة، وفي التشبث بها اعتصام بحبل الله القوي وشرعه القويم.
إلى هذه الغاية النبيلة نرمي من وراء هذه الدراسة، وإلى هذا الهدف العظيم نسعى بهذا البحث الذي نرجو أن يحقق الله به النفع لنا ولأمتنا في ديننا ودنيانا، وأن يجعله بداية لعديد من البحوث في السنة يقوم بها المتخصصون فيها، وغرسًا كريمًا نافعًا يؤتي ثماره الطيبة في المستقبل القريب بإذن الله، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وقد عرضت في هذا البحث بعض المجهودات التي بذلها سلفنا الصالح، وهي مجهودات نعتز بها، لما فيها من جهد طويل متتابع في خدمة السنة الغراء، وتوجيه نفوس القارئين إليها، وشغل أفكارهم بها، عسى أن أكون ممن شملهم وعد النبي ﷺ في قوله: "من دعا إلى
1 / 4
هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا"١. فإن الدعوة إلى الهدى لا تقتصر على دعوة اللسان، وإنما تكون برسم الطريق إلى الخير والإغراء بالسير فيه، وهو في مجال العناية بالسنة يكون بنشر علومها ومعارفها، والتنبيه إلى مدارسها المختلفة ورجالها، وآثارهم النافعة المثمرة في ميادينها المتعددة.
على أنني أعتذر عما عسى أن يكون فرط مني من خطأ غير مقصود، أو تقصير فيما لم يبلغه وسعي واجتهادي.
ولعل الناظر في هذا المجهود يرى فيه ما يكشف عن حسن النية ومواصلة الجهد الذي أرجو أن يكون وحده موضع الرضا والتقدير، وسبيلًا للصفح عن التقصير.
وأسأل الله أن ينفعنا بالقرآن الكريم، وبالسنة النبوية المطهرة، وبكل ما يتصل بهما دراسة وعملًا، وأن يكتب لنا النجاح في كل ما نزاوله في أمر يتعلق بهما، إنه سميع مجيب، وهو نعم المول ونعم النصير،
القاهرة في رمضان ١٤٠٢هـ
يوليو ١٩٨٢م
محمد رشاد محمد خليفة
_________
١ أخرجه البخاري.
1 / 5
الباب الأول: أعلام المحدثين في مصر منذ الفتح الإسلامي حتى سقوط بغداد
مدخل
...
أعلام المحدثين في مصر:
تمهيد:
نقصد بالعلم ذلك العالم الفذ الذي يؤمه الناس لما عنده من معازف، وقد أصبح فيما بينهم منارة يهتدي بها الحائرون، وعلمًا يلتف حوله الدارسون، يفيض عليهم من علومه، وينفعهم بدروسه وأماليه ومدوناته.
ونعني بالمحدث من له عناية بحديث رسول الله ﷺ رواية أو دراية، دراسة أو تعليمًا، أو جمعًا وتصنيفًا، أو تدوينًا وتأليفًا.
وإذا كنا في هذا الباب بصدد الترجمة لأعلام المحدثين في مصر فإنما نريد بهم هؤلاء الذين كانوا أئمة في الحديث وعلومه في هذه البلاد، ممن كان يرجع إليهم الكثير في التلقي منهم والأخذ عنهم، والانتفاع بهم فيما نقلوه إلى من عاصرهم أو جاء بعدهم، عن طريق الرواية أو التدريس، أو الإملاء أو التدوين، أو غير ذلك من طرق التحمل والأداء.
وأول هؤلاء صلة بنبي الإسلام صلوات الله وسلامه عليه هم الصحابة رضوان الله عليهم، وقد اقترن وجودهم في مصر بالفتح الإسلامي لها عام عشرين، ومنذ ذلك الحين بدأت في مصر رواية الحديث عن رسول الله ﷺ.
ولا بد أن نشير هنا إلى فتح مصر وما اقترن به من الظروف والملابسات، لما له من أثر في وضع النواة التي أثمرت فيما بعد مدرسة الحديث في مصر.
ذلك أن الفتوح التي ظفر بها المسلمون في الشام، وانتصارهم الحاسم في موقعة اليرموك جعل أعناقهم تشرئب، ونفوسهم تتطلع إلى توسيع رقعة الإسلام، والتدرج في تلك الفتوح التي كان لا بد منها لحماية حدود الدولة الإسلامية، وتثبيت ملكهم فيما وصلوا إليه من البلاد المجاورة.
وكان من أقوى ما أعانهم على التفكير في فتح مصر ما كان فيها من تفكك سياسي أدى إليه وقوع الخلاف المذهبي بين الحكام من الرومان والقبط من أهل مصر، وقد تم ذلك العون بما عود الله به المسلمين من نصرهم على الأعداء ما دام جهادهم في سبيل نصرة العقيدة وإعلاء كلمة الله.
ففي العام الثامن عشر للهجرة، سار عمرو بن العاص على رأس جيش قوامه أربعة آلاف، حتى وصل إلى بلبيس بعد استيلائه على الفرما، وكان قتال عنيف بعد حصار دام شهرًا كانت نهايته هزيمة منكرة لجيش الروم الذي يربو على اثني عشر ألفًا من المقاتلين.
1 / 3
وما زال الجيش الإسلامي يواصل الفتوح من بلدة إلى أخرى، حتى تم الفتح لمصر عام عشرين، وانساح الصحابة والتابعون في أنحاء البلاد طولًا وعرضًا، ينشرون دين الله، ويبلغون رسالة النبي ﵊، وأخذ كثير من أهل البلاد يقبلون على الفاتحين الأولين ويؤثرونهم بالحب، بعد أن عرفوا سماحة الإسلام وعدالته، وظهر لهم الفارق الكبير بين ما كانوا عليه أيام حكم الرومان من غطرسة وظلم واستبداد، وما لمسوه في هؤلاء الفاتحين من عدالة ورأفة ورفق وإحسان فدخل في الإسلام كثير من أهل البلاد، وبدءوا يطلبون ما لديهم من معارف الإسلام وعلومه الرفيعة وكانت مادة الصحابة في تعليم هؤلاء أصول الدين ما تلقوه عن النبي ﷺ من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
كان الصحابة ينشرون دين الله ويبلغون عن رسوله، ودخل كثير من أهل البلاد في الإسلام فتعلموا على يد الصحابة والتابعين أحكام الدين وأصول العلم، فحفظوا القرآن، ورووا السنة وتفقهوا في الدين.
وكان من أكثر الصحابة رواية عن الرسول ﷺ عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد امتاز على غيره من سائر الصحابة بأنه كان يكتب ما يسمعه عن رسول الله ﷺ وهم لا يكتبون.
خرج عبد الله بن عمرو بن العاص إلى مصر عندما ولاه إياه معاوية، وبقي بها مقيمًا بعد وفاة والده، وكان يحج ويعتمر ثم يعود إليها، حتى توفي بها في بعض الأقوال.
ولم يكن عبد الله بن عمرو وحده الذي يكثر من رواية الحديث عن رسول الله ﷺ ويتصدى لتعليم الناس في مصر، فقد كان معه كثير من الصحابة يؤدون نفس المهمة ويقومون بهذا الدور.
كان هناك عقبة بن عامر الجهني، كما كان خارجة بن حذاقة، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، ومحمية بن جزء، وعبد الله بن الحارث بن جزء، وأبو بصرة الغفاري، وأبو سعد الخير ومعاذ بن أنس الجهني، وعبد الله بن أنيس، وعبادة بن الصامت وكثير غير هؤلاء ممن سنذكرهم في أول فصول هذا الكتاب.
تخرج على يد هؤلاء الصحابة الكثير من التابعين، منهم أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني مفتي أهل مصر، ويزيد بن أبي حبيب، وعبد العزيز بن مروان، وعمار بن سعد التجيبي، ثم الحارث بن يعقوب الأنصاري -والد الفقيه عمر بن الحارث- وعطاء بن دينار، ثم جعفر بن ربيعة الكندي، وغير هؤلاء كثير.
1 / 4
ثم كان أتباع التابعين ومن جاء بعدهم يتناقلون رواية الحديث، ويتدارسونه بينهم، ويعملونه للناس، ويفقهونهم فيه، وكانت الرحلة في طلب العلم من مصر وإليها من العوامل المؤثرة في الرواية وازدهارها، فنبغ في مصر أئمة وظهر فحول، أخذ عنهم البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب الصحاح، بل كان من مصر بعض أصحاب هذه الصحاح، فالنسائي صاحب السنن الكبرى والصغرى كان من أهل مصر وفيها يقيم.
ولم تنقطع مدارسة الحديث تحملًا وأداء في مصر منذ أكرمها الله بالفتح الإسلامي طيلة عصر الرواية، حتى إذا جاء عصر التدوين كان علماء مصر من أسبق الناس فيه، فقد عرف العالم الإسلامي من علماء مصر الإمام النسائي صاحب السنن، والطحاوي صاحب معاني الآثار وشرحه، كما عرف غيرهما من أساطين العلم وجهابذة السنة، كان المرجع إليهم في كل مهم من علوم الحديث.
وكانت المساجد هي مراكز الإشعاع في كافة أنحاء البلاد، فيها يجلس الشيوخ للدرس والإسماع، ويحضر التلاميذ للتحصيل والاستماع، وفيما يتخرج النابهون في كل علم وفن، وإليها يفد الطالبون للفتوى، والراغبون في المعرفة والفقه في أصول الدين، وما يكاد الناس يتسامعون بنبوغ شيخ في علوم السنة حتى يحج إليه طلاب الحديث من كل مكان، يأخذونه عنه، ويتلقون منه، ويستجيزونه في المسموع والمكتوب، ثم ينصرفون إلى غيره من الشيوخ أملا في الحصول على المزيد.
وكانت هذه البيوت الإلهية منتشرة في طول البلاد وعرضها، تغص دائمًا بحلقات العلم، وتزخر بطلاب المعرفة.
ثم بدأ السلاطين والأمراء في مصر يبنون المدارس، ويعدونها لاستقبال الطلاب، ويرتبون الأرزاق لشيوخها والقائمين بالتدريس فيها، ويجعلون بعضها لدراسة الحديث وبعضها لدراسة الفقه وغير ذلك.
نقل السيوطي في كتابه حسن المحاضرة١ عن ابن خلكان قال: لما ملك صلاح الدين بن أيوب الديار المصرية لم يكن بها شيء من المدارس، فإن الدولة العبيدية كان مذهبها مذهب الرافضة والشيعة، فلم يكونوا يقولون بهذه الأشياء، فبنى السلطان صلاح الدين بالقرافة الصغرى المدرسة المجاورة للإمام الشافعي، وبنى مدرسة مجاورة للمشهد الحسيني بالقاهرة، وجعل دار سعيد السعداء -خادم الخلفاء المصرين- خانقاه٢ وجعل دار عباس الوزير العبيدي مدرسة للحنفية
_________
١ حسن المحاضرة ج٢ ص٢٥٦.
٢ الخانقاء جمعها خوانقن وكذلك الرباطات والزوايا: معاهد دينية إسلامية للرجال والنساء، أنشئت لإيواء المنقطعين للعلم والزهاد والعباد.
1 / 5
وهي المعرفة الآن بالسيوفية- وبنى المدرسة التي بمصر المعروفة بزين التجار للشافعية -وتعرف الآن بالشريفية- وبنى بمصر مدرسة أخرى للمالكية -وهي المعروفة الآن بالقمحية.
ومن هذا نرى عناية الأمراء ورجال الدولة بالعلماء، وتهيئة المناخ الملائم لهم ليؤدوا رسالتهم على الوجه الأكمل، وفي هذا شرف للأمراء والعلماء والمتعلمين على السواء.
كانت المدارس تقام لدراسة العلوم ومن بينها علوم الحديث، وكانت تقام لدراسة الفقه على المذاهب المتعددة وتدرس معها السنة، وكانت هناك دار للحديث بناها أمير مصر لدراسة الحديث وعلومه في بداية القرن السابع.
ذكر السيوطي في كتابه١ هذه المدرسة فقال عنها:
المدرسة الكاملية، وهي دار الحديث، وليس بمصر دار حديث غيرها وغير دار الحديث التي بالشيخونية، قال المقريزي: وهي ثاني دار حديث عملت للحديث، فإن أول من بنى دار حديث على وجه الأرض الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بدمشق، ثم بنى الكامل هذه الدار -يقصد المدرسة الكاملية- بناها الملك الكامل، وكانت عمارتها في سنة إحدى وعشرين وستمائة، وجعل شيخها أبا الخطاب عمر بن دحية، ثم وليها بعده أخوه أبو عمرو عثمان بن دحية، ثم وليها الحافظ زكي الدين المنذري، ثم وليها شرف الدين بن أبي الخطاب بن دحية، ثم وليها بعده المحدث محيي الدين بن سواقة ثم تاج الدين بن القسطلاني المالكي وهكذا حتى وليها الشيخ سراج الدين عمر بن الملقن.
وكان الملك الصالح نجم الدين أيوب أميرًا لمصر خلفًا لوالده الملك الكامل، فسار على نهجه في بناء المدارس ورعاية الحركة العلمية، فبنى المدرسة الصلاحية بين القصرين، وكانت أربع مدارس للمذاهب الفقهية الأربعة.
ثم توالى في عهد المماليك بناء المدارس التي انتسبت إلى أمراء مصر المتعاقبين، فالمدرسة الظاهرية للملك الظاهر بيبرس، والمدرسة المنصورية للمنصور قلاوون، والناصرية للناصر محمد بن قلاوون، والخانقاه البيبرسية لركن الدين بيبرس الحاشنكيري، وغير ذلك من المدارس العلمية التي بناها الأمراء، وأحاطوها بالرعاية والتكريم.
أما الأزهر فإنه منذ إنشائه لم يكن له حظ مرفور يستأهل التنويه به في دراسة الحديث، فقد كان في عهد الفاطميين يمثل ركنًا هامًّا من أركان الحياة الإسلامية والرسمية في الدولة، فبين جنباته كانت تقام الصلوات الخمس وصلاة الجمعة والعيدين، وفي ساحته يلتقي الخلفاء بالشعب يعظون ويوجهون ويقررون، ومن فوق منبره يخطب الخلفاء الجمع في رمضان وأيام الأعياد.
_________
١ حسن المحاضرة ج٢ ص٢٦٢.
1 / 6
وكان الأزهر في عهد الفاطميين مدرسة للشيعة. وكان أول كتاب درس فيه من وضع أبي حنيفة النعمان بن محمد القيرواني الشيعي قاضي المعز لدين الله الفاطمي، أملى اختصاره ابنه علي بن النعمان على جماعة بالأزهر، ثم توالى أبناء النعمان -وهم من المغرب- على التدريس بالأزهر كما درس بالأزهر أيضًا كتاب في الفقه الشيعي، ألفه يعقوب بن كلس وزير المعز لدين الله والعزيز بالله، وجعله أساسًا لدروسه في شهر رمضان، وكان تحضر إلى هذه الدروس عامة الناس وخاصتهم، ويجلس في حلقته الفقهاء والقضاة وكبار رجال الدولة.
وكان ابن كلس أول من فكر في اتخاذ الأزهر معهدًا علميًّا للدراسة، واستأذن العزيز بالله في تعيين جماعة من الفقهاء للتدريس بالأزهر، فأسهم الأزهر بنصيب كبير في الحركة العلمية أيام المعز والعزيز، فكانت تعقد به حلقات لدراسة الدين واللغة والأدب والقراءات والنحو والمنطق والفلك، وكانت الدراسة فيه تجري على الأنماط الآتية:
١- حلقات يجتمع فيها من يرغبون في الاستماع إلى تلاوة القرآن الكريم وشرحه، وتضم كثيرًا ممن اتصفوا بالورع والتقوى واهتموا بتفهم كتاب الله.
٢- حلقات أخرى يجلس فيها الطلاب إلى المدرسين يتناقشون معهم في المسائل العلمية، ويأخذون عنهم بعض أماليهم.
٣- محاضرات تلقى في أيام الاثنين والثلاثاء من كل أسبوع، يحضرها كثير من المثقفين، ويعقبها مناقشات في موضوع المحاضرة من فقه أو حديث أو تفسير.
٤- وإلى جانب هذا كانت هناك دروس دينية لمن أراد فهم الدين من النساء.
ثم قامت الدولة الأيوبية السنية على أنقاض الدولة الفاطمية الشيعية، فقضت على كل أثر للشيعة، وكان الأزهر هدفًا أساسيًّا للحملة على التشيع، باعتباره ركن الشيعة الركين، فأبطل صلاح الدين الجمعة فيه، وظل كذلك نحو مائة عام لا تقام فيه الجمعة، وكان ذلك إيذانًا بإهمال شأنه، فهبطت مكانته، وركدت في جنباته الحياة العلمية التي عهدها في العصر الفاطمي، وعمل الأيوبيون على صرف الناس عن الأزهر، وأغروا علماءه بترك التدريس فيه، والقيام بتدريس العلوم في مدارسهم التي أسسوها، وأغدقوا عليها الأموال لتنافس الأزهر وتزعزع مكانته العلمية، فتوزع الأزهر إلى مدارس الأيوبيين، وحمل الأزهريون أنفسهم لواء الحركة العلمية في هذه المدارس التي لم تكن في الحقيقة إلا امتدادًا لحركة الأزهر، وتوسيعًا لدائرتها في الآفاق.
وكانت مواد الدراسة في هذه المدراس الأيوبية السنية القرآن والقراءات والنحو والصرف والبلاغة والتفسير والحديث وفيه المذاهب الأربعة وأصول الفقه والرياضيات والمنطق والكلام.
1 / 7
ثم قامت الدولة المملوكية في مصر: فانتعش الأزهر بعد ما أصابه من نكسة على يد الأيوبين وعادت إليه مكانته العلمية من جديد، ليكون حفيظًا على لغة القرآن وعلوم الشريعة، وكان الظاهر بيبرس أكثر سلاطين المماليك عناية بالأزهر، فأمر بإعادة خطبة الجمعة إليه، بعد أن ظلت معطلة منذ أيام صلاح الدين.
وعني الكثير من سلاطين المماليك بعمارة الجامع الأزهر ووقف الأموال عليه، ومنح الهبات لعلمائه وطلابه، وعادت إليه حلقات الدروس التي ازدهرت بعلوم الفقه والتفسير والحديث، وعمر بمجالس الوعظ، وجعل لكل قراءة من القراءات السبع مدرس خاص، ودرس فيه إلى جوار ذلك الفلسفة والعلوم الطبيعية، وتردد على حلقاته الأعيان وكبار رجال الدولة، وعين له إمام يصلي بالناس ويخطب فيهم خطبة الجمعة، كما عين له مشرف يتولى مختلف شئونه، وكان كبار رجال الدولة يتقربون إلى الله برعاية كافة نواحيه الإدارية والمالية والتعميرية، وبلغ عدد طلابه سبعمائة وخمسين من أبناء الريف المصري ومن الفرس والزنوج وشمالي إفريقية، وخصص رواق لإقامة كل من هذه الجنسيات.
وعادت للأزهر مكانته كمركز لأعمال الدولة في عهد المماليك: ففيه كانت تتلى المنشورات والقوانين، وشغل علماؤه وظائف كبرى في ذلك العهد ومن بينها القضاء والإفتاء، كما حملوا مسئولياتهم كاملة في الهداية والتوجيه، وكان لهم أكبر الأثر في توجيه السياسة العليا في البلاد.
وبذلك برزت مكانة الأزهر في العصر المملوكي، فقد كان مسجدًا للعبادة، وجامعة عليا للدراسات الإسلامية والعربية، ومركزا لأعمال الدولة الرسمية، كما كان مثابة للناس وأمنًا، تلتمس فيه الهداية، ويفزع إليه المظلوم، ويأوي إليه الفقراء والحجاج، والمتصوفة وطلاب العلم.
ومنذ ذلك الحين وحتى وقتنا هذا والأزهر حارس على الدين والعلم، يحمل لواء الحق إلى الناس في كل أقطار الأرض، وينشر دعوة الإسلام على أساس من الكتاب والسنة، لم ينحرف ولم يزغ، لم يدع إلى باطل، ولم يقصر في الدعوة إلى الحق، يفتح أبوابه للدارسين من كافة أنحاء الدنيا، يتلقاهم حفيًّا بهم حريصًا على تثقيفهم، يتزودون بين جنباته من علوم الدين واللغة والمنطق والفلسفة والكلام والرياضيات، كما يتعلمون غيرهما من الثقافات الإنسانية، ويفيدون من شيوخه ما أفاء الله عليهم من علوم، ثم يصدرون عنه وقد تزودوا بحصيلة يفيد منها طالبو الدين والدنيا معا، وينتفع بها العامة والعلماء على حد سواء.
ذاع صيت الأزهر وعظم خطره، واهتم به على مر الأيام ملوك الدنيا وزعماء العالم، وتعلقت به آمال المسلمين في شتى الأنحاء، وأحبوا مصر من أجل الأزهر، فأصبحت به قبلة السائحين، ومنار الحائرين، ومهوى أفئدة الملايين من المسلمين.
1 / 8
وله أن أمة أرادت أن تبلغ ما بلغته مصر عن طريق الأزهر من مكانة سامية، وقيادة روحية لدول العالم الإسلامي، لما استطاعت ذلك ولو بذلت في سبيله أضعاف ما تنفقه على الدعاية لنفسها لمئات السنين.
إن عالمًا واحدًا يوفده الأزهر إلى أي بلد إسلامي في العالم، ويتمكن من أداء رسالته على الوجه الأكمل يستطيع -مع توفيق الله وحسن رعايته- أن يؤثر في ذلك البلد تأثيرًا طيبًا لا تستطيعه كل أجهزة الدعاية والإعلام.
إن الأزهر هو الورقة الرابحة لمصر حتى الآن، تستطيع من خلاله -بعد تدعيمه والعناية بشأنه- أن تتصدر به دول العالم، وأن تستعيد به الكثير مما ضاع في فترات الضعف والتخاذل.
إنه الدعامة الطيبة للمسلمين في كل آفاق الأرض، يستطيعون أن يؤكدوا دوره في نشر تعاليم الإسلام، ويلتفوا حول ما ينادي به من دعوة إلى العمل بالكتاب والسنة، والتأليف بين القلوب لتجتمع على كلمة الله.
إن تعاليم الدين تفعل في النفوس فعل السحر، وقد حمى الله الدين بالأزهر، وما من عالم من علماء الإسلام في أي بلد من بلاد الدنيا منذ ألف سنة أو يزيد إلا وللأزهر في عنقه دين وله عليه فضل، ومن أجل هذا تعلق المسلمون عن طريق علمائهم بالأزهر، وأحبوا البلد الذي حل فيه الأزهر، وتعمقت جذور هذا الحب على تتابع الأجيال منذ مئات السنين، فأوفدوا إليه أبناءهم من أقاصي الأرض، واستعذبوا مفارقتهم -وهم فلذات الأكباد- في سبيل طلب العلم فيه لأزمان قد تمتد إلى سنوات وسنوات، استجابة لدعوة الحق ﵎: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ ١.
وإذا كان علينا أن نربط بين الأزهر في علوم الدين، وبين حظه من علوم الحديث والسنة، فإننا نكتفي بأن نشير إلى أن انفتاح الأزهر في عصر المماليك، واستقباله للدارسين من أهل مصر والوافدين عليه، ممن كان لهم دور خطير في علوم السنة من أمثال شيخ الإسلام ابن حجر والإمام العيني والسخاوي والسيوطي يقضي بأن يكون للأزهر جانب، موفور من تخصصات هؤلاء وقد ورد في تراجم بعضهم تصريح بأنه كان يدرس الحديث في الأزهر، وأن بعضهم كان يقيم فيه، مثل شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وقد جاء في ترجمة عبد الرحيم العباسي أنه كان ممن يدرسون الحديث بالأزهر، وفي هذا القدر ما يحقق الجانب المنشود من مدرسة الحديث في مصر في هذه الجامعة العظيمة.
_________
١ سورة التوبة، من الآية: ١٢٢.
1 / 9
لقد احتضن الأزهر الكتاب والسنة، وتخرج فيه علماء التفسير والحديث، وأخذ هؤلاء علوم الدين عمن قبلهم من الأعلام، وهؤلاء عمن قبلهم، وهكذا في سلسلة تمتد على الأجيال إلى عصر الصحابة رضوان الله عليهم، وهم الذين كانوا همزة الوصل بيننا وبين ذلك العهد النبوي الكريم.
فلنبدأ -بعون الله- في بيان أشهر من عرفنا من الصحابة الذين نزلوا مصر، وكانوا الدعامة الأولى في الدراسات الدينية الإسلامية -ومن بينها علوم الحديث- ثم نتبعهم -بإذن الله- بذكر التابعين وأتباعهم، ثم نصل بهذه السلسلة المباركة من الأعلام في الحديث إلى الفترة المحددة لموضوع هذا البحث، وعلى الله قصد السبيل.
1 / 10
الفصل الأول: الصحابة والتابعون وأتباعهم
مدخل
...
الصحابة والتابعون وأتباعهم:
تمهيد:
في عرضنا لمن أخذ عنهم أعلام المحدثين في مصر نتعرض لذكر الصحابة والتابعين الذين نزلوا مصر بسبب الفتح وغيره، أو كانوا من أبنائها الأصليين ممن أدركوا شرف الصحبة أو التبع، فنترجم لمشاهير منهم، وقد يكون من بين هؤلاء الصحابة من لم تكن له رواية للحديث، ولكننا نورده باعتبار منزلته في صدر الإسلام، وأنه كان صورة مجسدة للكثير من الفضائل التي تحلى بها عامة المسلمين في العصر الأول، ولا سيما من كان منهم وثيق الصلة بالرسول ﷺ، فإنه وإن لم يرو عن النبي ﷺ حديثًا قوليًّا إلا أن حياته وأفعاله كانت تنطق بما كان عليه السلف الصالح من اقتداء بنبينا صلوات الله وسلامه عليه.
وبين يدي تراجم الصحابة نتقدم بكلمات موجزة يتبين منها: من هو الصحابي؟ وبم تعرف الصحبة؟ ولماذا أجمعت الأمة على نسبة العدالة والتوثيق إلى الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؟ كما يتبين التابعي وتابعه ممن كانوا أوعية للعلم ونقلة للدين.
من هو الصحابي ١؟:
المحققون من أهل الحديث -كالبخاري وأحمد بن حنبل- على أن الصحابي هو من لقي النبي ﷺ وهو مميز مؤمنًا به ومات على الإسلام، طالت مجالسته له أو قصرت، روى عنه أو لم يرو، غزا معه أو لم يغز.
قال البخاري في صحيحه: من صحب النبي ﷺ، أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه.
وقال أبو المظفر السمعاني: أصحاب الحديث يطلقون اسم الصحابي على كل من روى عنه ﷺ حديثًا أو كلمة، ويتوسعون حتى يعدون من رآه رؤية من الصحابة. فلشرف منزلته ﷺ أعطوا كل من رآه حكم الصحبة، وذكر أن اسم الصحابي من حيث اللغة والظاهر يقع على من طالت صحبته للنبي ﷺ وكثرت مجالسته له على طريق التبع له والأخذ عنه. قال: وهذا طريق الأصوليين.
وقال ابن الصلاح في مقدمته: روينا عن شعبة عن موسى السيلاني -وأثنى عليه خيرًا- قال: "أتيت أنس بن مالك فقلت: هل بقي من أصحاب رسول الله ﷺ من أحد غيرك؟ قال: "بقي ناس من الأعراب قد رأوه، فأما من صحبه فلا" إسناده جيد حدث به مسلم بحضرة أبي زرعة -وهذا القول قريب من قول الأصوليين.
_________
١ الحديث والمحدثون ص١٢٩.
1 / 13
بم تعرف الصحبة:
تعرف الصحبة بواحد مما يأتي:
١- بالتواتر كما في الخلفاء الأربعة.
٢- أو بالاستفاضة والشهرة القاصرة عن التواتر، كما في ضمام بن ثعلبة وعكاشة بن محصن.
٣- أو بأن يروى عن آحاد الصحابة أنه صحابي، كما في حممة بن أبي حممة الدوسي الذي مات بأصبهان مبطونًا، فإن أبا موسى الأشعري شهد له أنه سمع النبي ﷺ.
٤- أو بقوله وإخباره عن نفسه بأنه صحابي بعد ثبوت عدالته ومعاصرته للنبي ﷺ.
٥- وتعرف أيضًا بإخبار أحد التابعين أن فلانًا من الصحابة، بناء على قبول التزكية من الواحد العدل وهو الراجح.
إجماع الأمة على عدالة الصحابة وتوثيقهم:
شهد الله ورسوله بعدالة الصحابة، فقال تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ ١.
وروى الترمذي وابن حبان في صحيحهما عن عبد الله بن مغفل أن رسول الله ﷺ قال: "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضًا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه".
هذان دليلان نقليان على تعديل الله ورسوله للصحابة ﵃، وهل يمكن أن يكون بعد تعديل الله تعالى ورسوله ﷺ مقال لأحد من خلق الله يحكم فيه للصحابة بما يحكم به على عامة الناس أو لهم بالجرح أو التعديل؟
إنه لو لم تقم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية شاهد صدق على تعديلهم لأوجب الحال ذلك، فقد هاجروا في الله وجاهدوا مع رسوله، ونصروا الإسلام وبذلوا في سبيله المهج، والأرواح وضحوا بالمال والأهل والولد في سبيل نشره والدعوة إليه، وحفظو القرآن والسنة ونقلوها إلى من بعدهم، وكانوا أمناء على تعاليم الدين، في قوة من الإيمان وصدق من اليقين.
_________
١ سورة الفتح: ٢٩.
1 / 14
قال أبو زرعة الرازي: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله ﷺ فأعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى ذلك كله إلينا الصحابة، وهؤلاء الزنادقة يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، فالجرح بهم أولى.
قال ابن الصلاح: ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتد بهم فيه، إحسانًا للظن بهم، ونظرًا إلى ما تمهد لهم من المآثر، وكأن الله ﷾ أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة.
أما بعد: فإن صحابة رسول الله ﷺ هم وزراؤه وجنوده، وخلصاؤه وأهل محبته، يكفيهم شرفًا أن يشيد الله ﷿ بهم في كتابه الكريم ليبقى هذا الإطراء الإلهي أثرًا خالدًا يدوم على الزمن ما يبقى الزمن، فقد استجابوا لداعي الحق ابتغاء مرضاته، وحبًّا لرسوله الكريم، ذلك الحب الذي ملك عليهم نفوسهم فانقادوا له إيمانًا بما جاء به، وكانوا معه نصراء دعوته يشدون أزره، وأمناء سره ينفذون أمره.
أحب الصحابة الرسول ﷺ حبًّا ملأ قلوبهم، وسيطر على وجدانهم ومشاعرهم حتى جعل أحدهم يقول وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة مجاهدًا في إحدى الغزوات: والله ما أحب أن رسول الله ﷺ في مكانه تصيبه شوكة.
لقد غمر هذا الحب نفوسهم فامتلأت بالرضا والطمأنينة، وترجموه بجوارحهم انقيادًا لله وطاعة لرسوله، واتباعًا له ﷺ فيما يأمر به، واجتنابًا لما ينهى عنه، ووعيًا كريمًا لكل ما يفعل وما يقول: فحفظوا قوله، وحكوا فعله، وكانوا صورا حية للمسلم الكامل الذي يرضى الله ورسوله عنه، وصدق عليهم قول الله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ ١.
لقد اعتبر الرسول ﷺ الصحابة أصفياءه وخاصته، وجنوده وأهل محبته، فقربهم وأثنى عليهم، ومدحهم ودافع عنهم بهذا القول الكريم: "لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه" ٢.
لقد اختارهم الله ﷿ لتأييد نبيه ومساندة رسوله، واصطفاهم لحمل الرسالة عنه، وتبليغها إلى الأجيال من بعده، فكانوا حملة الدين، ونقلة العلم، وحفظة القرآن، ورواة السنة، انتشروا في أقطار الأرض دعاة بالقول والعمل، هداة بالكتاب والسنة، وتلقى
_________
١ سورة التوبة: ١٠٠.
٢ أخرجه مسلم ج١٦ ص٩٢.
1 / 15
عنهم التابعون ما حملوا، وبلغوه بأمانة إلى من بعدهم نقيًّا خالصًا كما أراد الله ورسوله، ونقله أتباع التابعين إلى من جاء بعدهم من الأجيال في كل قطر ومصر محوطًا بالرعاية، مدعمًا بالإسناد، محفوظًا بوعد الله ﷿: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ ١.
إن في ذكر أعلام الصحابة الذين دخلوا مصر يحملون بأيمانهم أعلام الهدى ومشاعل النور، يروون عن النبي ﷺ قوله وفعله، وينقلون حركاته وسكناته، في سلمه وحربه، وفي فتوحه وغزواته، ثم في ذكر من نقل ذلك عنهم من أعلام التابعين وتابعيهم، ثم من جاء بعد ذلك من رواة الحديث ونقلته خلفًا عن سلف، كل منهم يسلم إلى من بعده ما تلقاه من هذه المعارف حريصًا على سلامتها، باذلًا أقصى الجهد في صيانتها من الشوائب، وحياطتها من الدخيل، لكي تتلقاها الأجيال منه نقية كما تحملها إن في كل ذلك تدعيمًا لهذه الدراسة المصرية التي لم تنشط من فراغ، ولم توجد في الفترة التي تتناولها فيها من عدم، وإنما ارتكزت على أساس تميزت به شرعة الإسلام في مسارها عبر القرون، وتوثقت به علومها ومعارفها من بين سائر الأديان.
أما التابعي: فهو من لقي الصحابي مؤمنًا، وكلما استفاد منه وروى عنه كان أوثق في التبع.
وتابع التابعي: هو من لقي التابعين مؤمنًا؛ وكلما زادت استفادته من التابعين ارتفع في درجة التبع، وهكذا.
وفي مجال دراستنا هذه نستعرض أبرز من شرفت بهم مصر من أعلام الصحابة والتابعين وأتباعهم، ممن جاءوا مع الفتح الإسلامي أو بعده، أو كانوا من أهل مصر، ممن نقلوا إليه من علوم هذا الدين الحنيف ما كان أساسًا لمدرسة الحديث في مصر، ثم نستعرض أسماء المشاهير ممن أخذ عنهم السنة حتى أسلموها إلى أعلامنا الأجلاء في الفترة التي اخترناها لهذه الدراسة، وسوف تكون عنايتنا -بإذن الله- في تراجم هؤلاء الأعلام بارزة في تحقيق أسمائهم وألقابهم وكناهم، ورحلاتهم في طلب العلم، ثم في بيان شيوخهم وتلاميذهم، وما قيل في تقويمهم -فيما عدا الصحابة فإنهم يجلون عن ذلك- وتاريخ ولادتهم أو وفاتهم في حدود ما تسعفنا به المراجع، وما نجد فيها من نقول معتمدة لعلماء الجرح والتعديل.
وبعد: فهذا بيان بأسماء أشهر من كان بمصر من نقلة علوم الدين، ممن كان لهم أبلغ الأثر في رواية السنة، نذكرهم مرتين زمنيًّا بحسب الوفاة لكل منهم، وسوف نبذل -بإذن الله- جهدنا في ترجمة هؤلاء الأعلام بما يعرف بهم، بعد الرجوع إلى المصادر الأولى في تراجم الرجال،
_________
١ سورة الحجر: ٩.
1 / 16
الصحابة:
١- أبو ذر الغفاري: جندب بن جنادة -وقيل: يزيد بن عبد الله، وقيل: بربر بن جنادة، وقيل: جندب بن سكن، وقيل: خلف بن عبد الله- أسلم قديمًا بمكة وكان من فضلاء الصحابة ونبلائهم وقرائهم، قال ابن الربيع: شهد فتح مصر واختط بها، ولهم عنه عشرون حديثًا، وقد سكن مصر مدة، ثم خرج منها لما رأى اثنين يتنازعان في موضع لبنة كما أمره رسول الله ﷺ بذلك، وقد أورد صاحب الإصابة قصة إسلامه، روى أبو ذر عن النبي ﷺ، وروى عنه أنس وابن عباس وأبو إدريس الخولاني وزيد بن وهب الجهني والأحنف بن قيس وجبير بن نفير وعبد الرحمن بن تميم وسعيد بن المسيب وخالد بن وهبان ابن خالة أبي ذر، وامرأة أبي ذر وعبد الله بن الصامت وخرشة بن الحر وزيد بن ظبيان وخلق كثير، له واحد وثمانون ومائتا حديث، وكان أحد النجباء ألحقه عمر بالبدريين وإن لم يشهد بدرًا، وكان يوازي ابن مسعود في العلم وقال فيه رسول الله ﷺ: "ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر" أخرجه أبو داود وأحمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، مات ﵀ بالربذة سنة إحدى وثلاثين وقيل: اثنتين وثلاثين١.
٢- عقبة بن عامر بن عبس الجهني أبو عمرو، كان من أحسن الناس صوتًا بالقرآن، قال الذهبي: صحابي شهد فتح مصر، روى عن النبي ﷺ كثيرًا، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين منهم ابن عباس وأبو أمامة وجبير بن نفير وبعجة بن عبد الله الجهني وأبو إدريس الخولاني وخلق من أهل مصر، قال أبو سعيد بن يونس: كان قارئًا عالمًا بالفرائض والفقه فصيح اللسان شاعرًا كاتبًا، وهو أحد من جمع القرآن، قال: ورأيت مصحفه بمصر على غير تأليف مصحف عثمان وفي آخره: كتبه عقبة بن عامر بيده، قال خليفة بن خياط في تاريخه: مات سنة ثمان وخمسين عقبة بن عامر الجهني٢.
٣- عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم القرشي السهمي كنيته أبو محمد، ويقال: أبو عبد الرحمن، يقال: كان اسمه العاص فغيره النبي ﷺ إلى عبد الله، روى عن النبي ﷺ كثيرًا وعن عمر وأبي الدرداء ومعاذ وابن عوف وعن والده عمرو، له سبعمائة حديث، قال أبو نعيم: حدث عنه من الصحابة ابن عمر وأبو أمامة والمسور والسائب بن يزيد وأبو الطفيل وعدد كثير من التابعين، قال في الإصابة: منهم سعيد بن المسيب وعروة وطاوس وأبو العباس الشاعر وعطاء بن يسار وعكرمة ... وخلق، قال ابن الربيع: شهد فتح مصر واختط بها ولأهلها عنه أكثر من مائة حديث، وقال ابن سعد: أسلم قبل أبيه ولم يكن بين مولدهما إلا اثنتنا عشرة سنة، قال الواقدي: مات بالشام سنة خمس وستين وهو يومئذ ابن اثنتين وسبعين سنة وقال ابن البرقي: مات بمكة وقيل: بالطائف وقيل: بمصر٣.
_________
١ الإصابة ج٤ ص٦٢، والخلاصة ص٣٧٨، وشذرات الذهب ج١ ص٣٩.
٢ الإصابة ج٢ ص٤٨٩.
٣ الإصابة ج٢ ص٣٥١، والخلاصة ص١٧٦.
1 / 17
التابعون وأتباعهم ومن جاء بعدهم:
١- أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني:
مفتي أهل مصر، ويزن من حمير، روى عن أبي أيوب الأنصاري وأبي بصرة الغفاري وعقبة بن عامر الجهني وتفقه عليه، كما روى عن زيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو وعدة، وعنه عبد الرحمن بن شماسة وجعفر بن ربيعة ويزيد بن أبي حبيب وغيرهم، قال سعيد بن عفير: مات سنة تسعين١.
٢- مكحول:
أبو عبد الله بن أبي مسلم الهذلي عالم أهل الشام الفقيه الحافظ، كان مولى لامرأة من هذيل، قال مكحول عن نفسه: عتقت بمصر فلم أدع بها علمًا إلا حويته فيما أرى، ثم أتيت العراق ثم المدينة فلم أدع بهما علمًا إلا حويته فيما أرى، ثم أتيت الشام فغربلتها، وقال أبو حاتم: ما أعلم بالشام أفقه من مكحول، قال في الخلاصة: روى عن كثير من الصحابة منهم واثلة بن الأسقع وأنس وأبي أمامة الباهلي وخلق، وعنه أيوب بن موسى وزيد بن واقد والأوزاعي وخلق قال ابن كثير: كان نوبيًّا، وقال سليمان بن عبد الرحمن: مات سنة ثلاث عشرة ومائة٢.
٣- نافع:
الإمام العلم أبو عبد الله العدوي المدني، روى عن مولاه ابن عمر وعائشة وأبي لبابة وأبي هريرة وأم سلمة ورافع بن خديج وطائفة، وعنه ابناه أبو بكر وعمر وأيوب وابن جريج ومالك والأوزاعي وعبيد الله بن عمر وابن عوف وعقيل بن خالد والليث وخلق، قال البخاري: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر، وقال عبيد الله بن عمر: بعث عمر بن عبد العزيز نافعًا إلى أهل مصر يعلمهم السنن، مات ﵀ سنة سبع عشرة ومائة٣.
٤- الأعرج الحافظ المقرئ:
عبد الرحمن بن هرمز أبو داود مولى ربيعة بن الحارث بن عبد الملك الهاشمي مولاهم المدني كاتب المصاحف، روى عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري ومعاوية وعبد الله بن بحينة وجماعة، وعنه الزهري وأبو الزناد وصالح بن كيسان ويحيى بن سعيد وعبد الله بن لهيعة وآخرون، قال الذهبي: وكان ثقة ثبتًا عالمًا مقرئًا تحول في آخر عمره إلى الإسكندرية مرابطًا فتوفي سنة سبع عشرة ومائة٤.
٥- يزيد بن أبي حبيب:
الإمام الكبير أبو رجاء الأزدي مولاهم المصري الفقيه، روى عن عبد الله بن الحارث الزبيدي وأبي الطفيل وسعيد بن أبي هند وعراك بن مالك وأبي الخير اليزني وعطاء وعكرمة وطائفة، وحدث عنه سعيد بن أبي أيوب وحيوة بن شريح ويحيى بن أيوب ومحمد
_________
١ تذكرة الحافظ ج١ ص٧٣، والخلاصة ص٣١٨ والشذرات ج١ ص٩٩.
٢ تذكرة الحافظ ج١ ص١٠٧، والخلاصة ص٣٣١، والشذرات ج١ ص١٤٦.
٣ تذكرة الحافظ ج١ ص٩٩، والخلاصة ص٣٤٣، والشذرات ج١ ص١٥٤.
٤ تذكرة الحافظ ج١ ص٩٧، والخلاصة ص٢٠٠، والشذرات ج١ ص١٥٣.
1 / 18
بن إسحاق وسليمان التيمي وابن لهيعة والليث ويزيد بن أبي أنيسة، قال ابن يونس: كان حليمًا عاقلًا، وقال الليث: يزيد عالمنا وسيدنا، وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، مات سنة ثمان وعشرين ومائة١.
٦- عبيد الله بن أبي جعفر الكناني:
مولاهم الإمام أبو بكر الليثي المصري الفقيه القدوة، سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن والأعرج وحمزة بن عبد الله بن عمر وعطاء بن أبي رباح والشعبي، وعنه ابن إسحاق وعمرو بن الحارث وحيوة بن شريح وسعيد بن أبي أيوب والليث وابن لهيعة وآخرون، قال ابن سعد: كان ثقة في زمانه، وقال سليمان بن أبي داود: ما رأت عيني عالمًا زاهدًا إلا عبيد الله بن أبي جعفر، أرخ ابن العماد وفاته مقتولًا بمصر سنة اثنتين وثلاثين ومائة٢.
٧- عقيل بن خالد بن عقيل الأيلي:
الحافظ الحجة أبو خالد الأموي من موالي عثمان ﵁، روى عن القاسم وسالم والزهري وعكرمة وعراك بن مالك وعمرو بن شعيب، وعنه ابن أخيه سلامة بن روح ويحيى بن أيوب والليث ومفضل بن فضالة وابن لهيعة والمصريون، قال رفيقه يونس: ما أحدًا أعلم بحديث الزهري من عقيل، وثقه أحمد وابن معين، مات بمصر فجأة سنة أربع وأربعين ومائة٣.
٨- عمرو بن الحارث:
بن يعقوب بن عبد الله الأنصاري مولاهم أبو أمية المصري، روى عن أبيه والزهري وعمرو بن شعيب وأبي يونس مولى أبي هريرة وابن أبي مليكة وخلق، وعنه شيخاه قتادة وبكير بن الأشج والليث ومالك وابن وهب -وهو راويته- وخلق، وهو أحد الأعلام قال أبو حاتم: كان أحفظ أهل زمانه، وقال ابن وهب: ما رأيت أحفظ منه، ولو بقي لنا عمرو ما احتجنا إلى مالك، مات سنة ثمان وأربعين ومائة، وله ست وخمسون سنة٤.
٩- يونس بن يزيد الأيلي:
بن أبي النجاد الحافظ الثبت أبو يزيد مولى معاوية بن أبي سفيان، روى عن عكرمة والقاسم وسالم والزمهري ونافع وطائفة، وعنه الأوزاعي وعمرو بن الحارث والليث وجرير بن حازم وابن وهب وعثمان بن عمر بن فارس وآخرون. قال أحمد: ثقة، وقال أحمد بن صالح الحافظ المصري: نحن لا نقدم في الزهري على يونس أحدًا، قال أبو سعيد بن يونس: مات سنة اثنتين وخمسين ومائة٥.
١٠- حيوة بن شريح:
بن صفوان التجيبي أبو زرعة المصري أحد العلماء الزهاد، روى عن أبي يونس مولى أبو هريرة ويزيد بن أبي حبيب وحميد بن هانئ وربيعة القصير وخلق، وعنه
_________
١ تذكرة الحافظ ج١ ص١٢٩ والخلاصة ص٣٧٠، والشذرات ج١ ص١٧٥.
٢ تذكرة الحافظ ج١ ص١٣٦، والخلاصة ص٢١١، والشذرات ج١ ص١٩٠.
٣ تذكرة الحافظ ج١ ص١٦١ والخلاصة ص٢٦٠، والشذرات ج١ ص٢١٦.
٤ الخلاصة ص٢٤٤ والكاشف ج٢ ص٣٢٦.
٥ تذكرة الحافظ ج١ ص١٦٢، والخلاصة ص٣٨٠، والشذرات ج١ ص٢٣٣.
1 / 19
الليث وابن وهب والمقرئ وهانئ بن التوكل -آخر من حدث عنه- وابن المبارك، وثقه أحمد وابن معين والفسوي، وحيوة بن شريح صاحب كرامات وأحوال، قال يحيى بن بكير: مات سنة ثمان وخمسين ومائة١.
١١- يحيى بن أيوب الغافقي المصري:
روى عن بكير بن الأشج ويزيد بن أبي حبيب وجعفر بن ربيعة، وعنه ابن وهب وسعيد بن أبي مريم والليث، وثقه ابن معين ويعقوب بن سفيان، قال أحمد: سيئ الحفظ، وقال أبو حاتم: محله الصدق ولا يحتج به، قال في الخلاصة: وقد احتج به الستة، توفي سنة ثلاث وستين ومائة٢.
١٢- ابن لهيعة:
عبد الله بن عقبة بن لهيعة الخضرمي الغافقي المصري أبو عبد الرحمن الفقيه قاضي مصر ومسندها، روى عن عطاء وعمرو بن دينار والأعرج وابن أبي مليكة وعمرو بن شعيب وعكرمة وخلق، وعنه شعبة وعمرو بن الحرث والليث بن وهب ويحيى بن بكير والمقرئ والثوري والأوزاعي وابن المبارك، وثقه أحمد وقال: احترقت كتبه وهو صحيح الكتاب، من كتب عنه قديمًا فسماعه صحيح، وقال يحيى بن معين: ليس بالقوي. وقال مسلم: تركه وكيع ويحيى القطان وابن مهدي، قال يحيى بن بكير: مات سنة أربع وسبعين ومائة٣.
١٣- بكر بن مضر:
بن حكم بن سليمان أبو محمد المصري، روى عن يزيد بن أبي حبيب وأبي قبيل وجعفر بن ربيعة، وعنه ابنه إسحاق وقتيبة وابن وهب وابن القاسم كان ثقة عابدًا، ولد سنة اثنتين ومائة، ومات سنة أربع وسبعين ومائة٤.
١٤- الليث بن سعد:
بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري أحد الأعلام، ولد بقلقشندة سنة أربع وتسعين، وروى عن الزهري وعطاء ونافع، وابن أبي مليكة وقتادة وسعيد المقبري وصفوان بن سليم وخلائق، وعنه ابنه شعيب وابن عجلان وابن لهيعة وهشيم وابن المبارك والوليد محمد بن رمح: كان دخل الليث ثمانين ألف دينار في العام وما وجبت عليه زكاة قط، وثقه ابن معين وأحمد، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث صحيحه، وقال الشافعي: كان الليث أفقه من مالك إلا أنه ضيعه أصحابه، قال ابن بكير: ولد سنة أربع وتسعين وتوفي سنة خمس وسبعين ومائة٥.
_________
١ الخلاصة ص٨٢ والكاشف ج١ ص٢٦٣.
٢ الخلاصة ص٣٦٢ والكاشف ج٣ ص٢٥٠ وشذرات الذهب ج١ ص٢٥٨.
٣ الخلاصة ص١٧٩ والكاشف ج٢ ص١٢٢ والشذرات ج١ ص٢٨٣.
٤ الخلاصة ص٤٤، والكاشف ج١ ص١٦٢.
٥ الخلاصة ص٢٧٥، والكاشف ج٣ ص١٣ والشذرات ج١ ص٢٨٥.
1 / 20
١٥- المفضل من فضالة بن عبيد الرعيني أبو معاوية المصري الفقيه قاضي مصر، روى عن يزيد بن أبي حبيب وعقيل ويونس وعياش بن عباس القتباني، وعنه الوليد بن مسلم وقتيبة وزكريا وكان زاهدًا ورعًا قانتًا مجاب الدعوة، قال ابن يونس: ثقة وكذا قال ابن معين، وقال أبو حاتم وابن خراش: صدوق، مات سنة إحدى وثمانين ومائة١.
١٦- عبد الرحمن بن القاسم:
الإمام فقيه الديار المصرية أبو عبد الله العتقي مولاهم المصري سمع مالك بن أنس وتفقه به وعبد الرحمن بن شريح وبكر بن مضر ونافع بن نعيم، وعنه أصبغ بن الفرج والحارث بن مسكين وعيسى بن مثرود ومحمد بن عبد الله بن الحكم ومحمد بن سلمة المرادي، قال فيه مالك: مثله مثل جراب مملوء مسكًا، وقال النسائي: ثقة مأمون، قال يونس بن عبد الأعلى: مات سنة إحدى وتسعين ومائة٢.
١٧- عبد الله بن وهب بن مسلم المصري الفهري -وقيل:
الفهمي- مولاهم أبو محمد الخير أحد الأعلام، روى عن يونس بن يزيد وحيوة بن شريح وأسامة الليثي ومالك والثوري وابن جريج وحنظلة بن أبي سفيان وحيي بن عبد الله المعافري. وخلق، وعنه شيخه الليث، وابن مهدي وأصبغ بن الفرج وحرملة وأحمد بن صالح وسعيد بن أبي مريم وسحنون بن سعيد والحارث بن مسكين وأبو الطاهر أحمد بن السرح وعبد الملك بن شعيب وبحر بن نصر وإبراهيم بن منذر وسعيد بن منصور وأحمد بن عبد الرحمن والربيع بن سليمان المرادي ويونس بن عبد الأعلى وخلائق، قال الذهبي: وكان ثقة حجة حافظًا مجتهدًا لا يقلد أحدًا إذا تعبد وتزهد، قال أحمد بن صالح: ما رأيت أحدًا أكثر حديثًا منه حدث بمائة ألف حديث، وقد وقع عندنا سبعون ألف حديث، وقال عبد الرحمن بن القاسم: لو مات ابن عيينة لقطعت إلى ابن وهب أكباد الإبل ما دون أحد العلم تدوينه، ذكر ابن وهب وابن القاسم عند مالك فقال: ابن القاسم فقيه وابن وهب عالم، وقال أبو طاهر بن عمرو: جاء نعي ابن وهب ونحن في مجلس ابن عيينة فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أصيب المسلمون به عامة وأصبت به خاصة، قال النسائي: ابن وهب ثقة ما أعلمه روى عن ثقة حديثًا منكرًا، وقال يونس: مات في شعبان سنة سبع وتسعين ومائة٣.
١٨- الإمام الشافعي:
محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب القرشي الشافعي، نسيب رسول الله ﷺ وناصر سنته
_________
١ الخلاصة ص٣٣٠، والكاشف ج٣ ص١٧٠، والشذرات ج١ ص٢٩٧.
٢ تذكرة الحافظ ج١ ص٣٥٦ والخلاصة ص١٩٧، وشذرات الذهب ج١ ص٣٢٩.
٣ تذكرة الحافظ ج١ ص٣٠٤، والخلاصة ص١٨٥، والشذرات ج١ ص٣٤٧.
1 / 21