134

সয়িদ রাইস

السيد الرئيس

জনগুলি

نور للعميان

كانت «كميلة»، تقف في وسط الحجرة، معتمدة على ذراع زوجها وعلى عصا للمشي. وكان الباب الرئيسي للحجرة يطل على فناء تفوح منه رائحة القطط والجراء، أما النافذة فهي تطل على المدينة التي أحضروها إليها في دور النقاهة على كرسي ذي عجلات؛ وكان ثمة باب آخر صغير يفضي إلى حجرة مجاورة. وبرغم الشمس التي تغرب على طول نيران عينيها الخضراوين، والهواء الذي يملأ رئتيها كالسلسلة الثقيلة، فقد تساءلت كميلة متعجبة: إذا كانت هي التي تسير على قدميها ثانية. وبدت لها قدماها أكبر من المعتاد، وساقاها كعكازين. كانت تبدو وكأنها تسير في عالم آخر وعيناها مفتوحتان على وسعهما؛ كانت مولودة من جديد، دونما وجود، تحيط بها الأشباح التي تسير في زبد من خيوط العنكبوت. كانت تشعر كأنما قد ماتت مع احتفاظها بوجودها ، كما يحدث في الأحلام، ثم عادت إلى الحياة لتجد أنها تجمع بين واقعها وبين الحلم. كان والدها، وبيتها، ومربيتها، يشكلون جزءا من وجودها الأول. أما زوجها، والمنزل الذي يقطناه مؤقتا، والخدم، فهم وجودها الجديد. كانت من تسير هي وليست هي. الإحساس بالعودة إلى الحياة في حياة جديدة. وكانت تتكلم عن نفسها كأنها تتكلم عن شخص يعتمد على عصا من حياتها السابقة؛ وكانت تتفهم أشياء غير منظورة؛ فإذا تركوها وحدها غرقت في ذلك العالم الآخر، جالسة تسرح بعيدا بأفكارها، جامدة الشعر، ويداها ترقدان في حجر تنورتها الطويلة التي تدل على عرسها الذي تم قريبا، بينما الضجيج يصطخب في أذنيها.

وسرعان ما كان بوسعها أن تتجول في البيت، ورغم ذلك فقد ظلت عليلة، أو قل إنها ظلت غارقة في تقييم الأشياء المهولة التي وقعت لها منذ طبع زوجها أول قبلة له على خدها. كان الأمر أكثر مما تستطيع احتماله، بيد أنها تشبثت به بوصفه الشيء الوحيد ملك يمينها حقيقة في عالم غريب عنها. كانت تستمتع بمنظر القمر، في عليائه وفي ظلاله المنسكبة على الأرض، أمام البراكين التي يظللها غمام السحب، تحت النجوم المتلألئة كأنها حشرات ذهبية في برج حمام سامق خال.

وأحس ذو الوجه الملائكي أن زوجته ترتعد داخل ثيابها الصوفية البيضاء، لا من البرد، لا كما يرتعد الناس عادة، بل كما ترتعد الملائكة، فقادها من يدها خطوة خطوة إلى حجرة نومها. تمثال الرأس الهائل الحجم فوق النافورة ... السرير المعلق الساكن، والمياه ساكنة سكون السرير المعلق ... أصص زهور رطيبة ... زهور صناعية ... ممرات يصل بينها ضوء القمر ...

وأويا إلى فراشيهما، يتحادثان من غرفة إلى الأخرى. كان ثمة باب يصل ما بين حجرتيها. وخرجت الأزرار من عراها في وسن بصوت رقيق يحاكي صوت زهرة تقطع، وسقطت الأحذية على الأرض، كسقوط المرساة في عرض البحر، وانسلخت الجوارب من على السيقان كما ينسلخ الدخان من المدخنة. وتحدث إليها ذو الوجه الملائكي عن أدوات الزينة الخاصة به المصفوفة على منضدة إلى جوار حامل المنشفة، كيما يخلق جوا عائليا في هذا المنزل الضخم الذي يبدو مهجورا، وكيما يقصي أفكاره عن ذلك الباب الصغير الضيق ، كبوابة السماء، الذي يفصل بين حجرتي نومهما.

ثم دلف إلى فراشه بكل ثقله، ورقد فيه فترة طويلة دون أن يتحرك، يرفل في المد الغريب، محللا العلاقة التي تنمو ثم تتحطم باستمرار فيما بينهما. لقد اختطفها كيما يستحوذ عليها بالقوة؛ ثم نما الحب بينهما بدافع الغريزة العمياء، فهجر خطته الأولى وحاول أخذها إلى بيت عمها، ولكن الباب هناك يوصد دونهما. ولذلك فقد عادت إلى حوزته مرة أخرى، ولا شك أنه لم تكن ثمة مخاطرة في الاستحواذ عليها آنذاك، طالما أن الجميع يظنون فيه هذا الظن. بيد أنها تعلم حقيقة الأمر وتحاول تجنبه. ووقف مرضها عقبة أمام استحواذه عليها. وساءت حالتها في ساعات قليلة. لقد كانت تموت. سوف يأتي الموت ويحل المشكلة. وهو يعلم ذلك ويبدو أحيانا مستكينا للأمر رغم أنه يتمرد على هذه القوى العمياء في أغلب الأحيان. وتحبط دعاوى الموت أعز آماله، والقدر ينتظر حتى آخر لحظة كيما يجمع بينهما.

كانت كالطفلة أولا حين لم تكن تستطيع المشي بعد، ثم في طور المراهقة بعد أن نهضت ومشت خطواتها الأولى؛ وبين ليلة وضحاها، استردت شفتاها لون الدماء، وامتلأ مشد صدرها بما يحمله من ثمرة؛ وكانت تحس بالاضطراب ويندى منها العرق حين يقترب منها الرجل الذي لم تتصور أنه سيكون زوجها.

وقفز ذو الوجه الملائكي من الفراش. وشعر بأن ما يفصل بينه وبين كميلة خطأ لم يقترفه أي منهما، بزواج لم يوافق عليه أي منهما.

وأغلقت كميلة عينيها. وابتعدت خطواته ناحية النافذة.

كان القمر يختفي ويظهر من ثنايا أركان السحب السابحة، والطريق ينساب كنهر من عظام بيضاء تحت جسور من الظلال. ومن حين لآخر، يمحي كل شيء، كالصدأ الذي يعلو الآثار القديمة، ثم يظهر بعد ذلك موشحا بندف من الذهب. وتدخل جفن أسود عريض وقطع أستار هذه الرؤيا التي تتبدى خلال أجفان خافقة. وبدت رموشه الهائلة وكأنما تبزغ من أعلى البراكين قاطبة، وتنتشر بخطى العنكبوت الهائل فوق هيكل المدينة، دامغة إياها بظلال الحداد. وهزت الكلاب آذانها كمقابض الأبواب، وحلقت طيور ليلية في أفق السماء، وانتقلت آهة من شجرة سرو إلى شجرة سرو، وسرت أصوات ملء الساعات الدقاقة. واختفى القمر كلية وراء قمة فوهة بركان عالية، وهبط ضباب كنقاب العروس فوق أسطح المنازل. وأغلق ذو الوجه الملائكي النافذة. وكانت كميلة في غرفة نومها تزفر أنفاسا بطيئة ثقيلة كأنما هي قد نامت ورأسها تحت الأغطية، أو كأن ثمة شبحا يرقد على صدرها.

অজানা পৃষ্ঠা