طوال أعوامي العشرين الماضية لم أعش أي قصة حب، في مرحلة الدراسة الثانوية وحين بدأ أصدقائي بمواعدة الفتيات، كنت لا أعير بالا لأي فتاة، بل كان جل تركيزي على دراستي فحسب؛ فقد وضعت هدفا أمامي، كنت أرى نفسي بعد عشر سنوات من ذلك الوقت طبيب أعصاب ناجح. هذا أنا، أعرف ما أريد بالتحديد، الحياة بالنسبة إلي معادلة بسيطة كحاصل جمع واحد زائد واحد يساوي اثنين. خلال تلك الفترة صارحتني ثلاث فتيات بإعجابهن بي ورغبتهن في الخروج معي وبدء المواعدة، ولكني قابلت هذا الإعجاب بالرفض لأني لم أر الخروج مع إحداهن سوى إضاعة لوقتي، وهدر لمالي لا أكثر ولا أقل. بقيت حكما على قلبي، متحكما بزمام أموري إلى أن جاء ذاك اليوم حين رأيتها تركض خلف الضفدع بعد أن نزعت عنه المثبتات، كانت أول سنة لنا في كلية الطب، عادة أسخر من تصرفات كهذه، وربما أزدري أصحابها ولكنها الوحيدة التي كانت قادرة على إضحاكي من ردة فعلها تلك، فهي لم تبال باستهزاء الآخرين أو حتى بصراخ الأستاذ، بل استمرت في ملاحقة ذاك الضفدع، فهي مصرة على تشريحه. يا لها من فتاة مميزة تجمع بين البساطة والقوة في الوقت نفسه! لها سحرها وجاذبيتها الخاصة التي لم أرها في أي أحد قبلها، تجمع بين الطفولة والأنوثة. لا بد أن معجزة ما قد حصلت، فقد وقعت عيني على من أعجبت، أنا هاك، بها.
منذ ذلك اليوم وأنا أتابعها، عيناي تلاحقانها أينما ذهبت، بدأ إعجابي بها يزداد. لضحكتها العالية المستهترة صوت بت أهواه، السعادة لا تغادر وجهها، وكأن الابتسامة هي الطابع الذي طبعت فيه، على عكسي أنا. لا أعلم لم هي سعيدة إلى هذا الحد! لكنها كذلك!
بعد الاستفسار عنها علمت أنها غير مرتبطة في علاقة ما في الوقت الحالي كما لم تكن مرتبطة سابقا. شيئا فشيئا بدأ إعجابي يتحول إلى حب، تذكرت تلك الفتيات وكم احتجن لشجاعة حتى يصارحنني، وكيف قابلتهن ببرود. لو أني أملك نصف شجاعة تلك الفتيات الآن لأذهب إليها وأصارحها، ولكني أخاف أن أفاجئها، لذا فأنا أفضل التمهيد. أريد أن نصبح أصدقاء أولا ومن ثم أصارحها بحقيقة مشاعري، لكن من جهة أخرى أخشى إن أصبحت صديقا لها أن أدخل منطقة الأصدقاء فلا أخرج منها أبدا، بحيث إنها لن تفكر بي كشريك مستقبلي للحياة. بالفعل أنا في حيرة وارتباك ولا أعرف ما هو السبيل للوصول إلى تلك الشقية.
ساي 1996
كثيرا ما سمعت الفتيات يتحدثن عن ذلك الشاب الشبيه بالأمير المتعجرف، هاك. لا أنكر أنه لفت نظري، وكيف لأمير ألا يلفت الأنظار، فأنا أولا وآخرا أنثى يثير انتباهها شاب كهاك. لكن لم أفكر فيه من ناحية عاطفية لعدة أسباب، أولها أني لم أكن أشغل بالي في الوقوع في علاقة حب في هذه الفترة خاصة أنني في بداية مشواري الطبي وهو مشوار طويل وشاق جدا. كنت أشعر أن العلاقة التزام وأنني لن أستطيع أن أكون ملتزمة في هذا الوقت وستكون أي علاقة حب عبئا علي لا أكثر. ثاني الأسباب هو أني كنت أعتبر هاك شابا بعيد المنال جدا، صارما وجادا ولم أكن أعتقد أن فتاة مشاكسة مثلي ستجذب انتباهه! صحيح أني مشهورة في الكلية، ولكني مشهورة فقط بتصرفاتي الطفولية الطائشة!
أتى ذاك اليوم حين كنا في التطبيق العملي لمادة الإحصاء الطبي وتوجب علي جمع قياسات هاك من نبض وضغط وما إلى ذلك، وعلى هاك أخذ قياساتي أيضا. حين بدأنا بالعمل شعرت بارتباكه الواضح كدت على وشك الانفجار ضاحكة. أهكذا يرتبك الأمير المتعجرف في حضرة فتاة عادية! أإلى هذه الدرجة لا يجيد هاك التعامل مع الفتيات! لكني بالطبع كتمت ضحكتي وتمالكت نفسي ثم بدأت أنا نفسي أشعر بالارتباك، وكأن ارتباكه عدوى انتقلت إلي، مع ذلك ضحكت في نهاية الأمر، فلم أتمالك نفسي. في البداية توقعت أن أحظى بتوبيخ منه عن أهمية احترام زملاء المستقبل وأهمية التطبيق الجاد وأخذ القياسات بدقة، هذا ما توقعته بناء على ما سمعته عن شخصيته، لكنه فاجأني بردة فعل مختلفة جدا! لقد ابتسم! كم كانت سعادتي كبيرة من ردة فعله تلك، هاك ابتسم!
منذ ذلك الوقت بدأ قلبي ينبض حين أراه وعلمت أن هذا ما يسمى بالحب. خلال أسابيع قليلة أصبحنا نلقي التحية على بعضنا البعض في كل صباح. وفي كل مرة كان ارتباكه يزداد أمامي، كنت أشعر أنه شخص آخر، شخص لم يكتشفه أحد سواي، وهذا ما ولد السعادة في قلبي.
مرت عدة أسابيع ثم أتى ذلك اليوم حين تم استدعاؤنا من قبل الطبيب المشرف على المختبر الذي جمعنا فيه القياسات سابقا من أجل إجراء الحسابات الخاصة لمادة الإحصاء. أراد المشرف أن يسألنا عن الخطأ الذي ارتكبناه خلال جمع القياسات، فقد كانت الأرقام متجاوزة للحد الأقصى لأشخاص في أعمارنا، كان ذاك المشرف منزعجا جدا لذلك وبدأ بإلقاء محاضرة علينا عن ضرورة أخذ القياسات بدقة وانتباه، كلانا كان يعلم أنه لم يكن هناك أي خطأ وكأن هذه النبضات المتسارعة تخبرنا عن ولادة حبنا. بعد هذا التوبيخ دعاني هاك لاحتساء القهوة، كان يحسب أني أتأثر مثله لأمور بسيطة كهذه. كان يحاول التخفيف عني بشتى الطرق، لم يكن يعلم أني غير مهتمة في داخلي ولكني حينها تصنعت الاهتمام فقط لأجله وأظهرت ملامح التأثر على وجهي، هاك وباندفاع قال لي: ساي، أنت لم تخطئي صدقيني، ستضحكين إن أخبرتك عن السبب وربما تهزئين مني، أرجوك اسمعي ما سأقوله على محمل الجد. - حسنا هاك، لن أهزأ منك بالتأكيد. - ساي! لم تكن قياساتي غير طبيعية، لم تخطئي بقياسها ولا بتدوينها، بل كانت تلك هي نبضات قلبي الحقيقية، تسارعت حين نظرت في عينيك، ساي أنا أحبك!
وسكت بعدها، خشيت أنه قد تسرع في تلك اللحظة في اعترافه. بقي صامتا لعدة لحظات، شعرت بثقل هذه اللحظات، أردت مبادرته بالقول وأنا أيضا بدأت بالوقوع في حبك، لكنني تراجعت إلى أن يكمل هو حديثه، وكأني خفت أن يكون كلامه وليد هذه اللحظة وإن قابلته بالإيجاب سأتسرع، لكنه أكمل بكل شجاعة: نعم أحبك ساي، ومنذ عدة أشهر، في كل تصرف من تصرفاتك تثيرين انتباهي، ابتسامتك التي لا تفارق وجهك هي سر سعادتي في هذه الأيام، منذ أن سرقت انتباهي إلى الآن وأنا أشعر أن حياتي تغيرت مائة وثمانين درجة، أرجوك فكري في الأمر.
وهم راحلا ولكني أمسكت يده وقلت له: هاك، تذكر أنه ليس وحدك من حصل على قياسات متجاوزة للحد الطبيعي!
অজানা পৃষ্ঠা