لا أعلم ما هي التفاصيل، ولست متأكدا أساسا من أن المتصلة صادقة أم لا، كما لم أبد للمتصلة أي اهتمام بما تقوله كي لا أجعلها تصل لما ترومه إن كانت تود العبث معنا فحسب. لكن تلك المرأة لم تتركني وشأني، بل أرسلت لي توقيت المواعيد التي التقت بها ساي مع هاك، إنها مصرة لسبب أو لآخر أن تزعجني، من هي تلك المرأة؟ وماذا تريد؟ والأهم من ذلك! ماذا يريد هاك؟ وما بال ساي؟ ولم لم تخبرني بشيء؟ لا أعلم الكثير عن هذه الأمور، ولا أعلم كيف علي أن أسألها، ما الذي يجري؟ فكرت كثيرا ووضعت كافة الاحتمالات بدءا من كونهما يتحدثان بشأن يخص عملهما الطبي، انتهاء بفكرة عودتهما لبعضهما وإدراك ساي بأنها تود ذلك فعلا! هل تسرعت ساي بالارتباط بي؟ أنا حقا لا أعلم، لكن ما أعلمه أن كل تلك الاحتمالات ضدي، ودليل ذلك مزاج ساي وتغيرها عني في الأيام الفائتة. قررت أني لن أقحم نفسي بدوامة الاستجواب والأسئلة والتخوين، أود أن أريح تفكيرها وأغيب بعض الوقت عن ناظرها، أما هي فعليها أن تتخذ قرارها من جديد. إلى الآن لست أعلم ما الأمر، لكنني مضطر للسفر إلى السويد بسبب انعقاد مؤتمر هام؛ لذا فهي فرصة جيدة لتعيد حساباتها. سوف أسافر وأطيل مقامي هناك إن لزم الأمر إلى ما بعد المؤتمر علها تخبرني بما يجول في خاطرها، وإن لم تفعل، فسوف أصارحها وأنا بعيد عنها وأسألها. هذا كثير علي، لا أستطيع أن أتخلى عنها وهي أمامي! لا أعلم، لا أود أن أحرجها، كما لا أود أن أجرحها! لذا فسأطعن قلبي، لا خيار آخر لدي!
أتى موعد السفر وما زالت ساي مهمومة وعلى غير عادتها، كنت أتأملها بحزن شديد وهي تحكم لي ربطة عنقي، وربما للمرة الأخيرة: هيروكي هل من خطب؟ - أترينني نسيت شيئا؟ - كن مطمئنا، لم تنس شيئا فقد حزمت حقيبتك بنفسي ووضعت لك كل ما تحتاجه. - نعم، معك حق!
أخبرتني أن أكون مطمئنا، ولم تعلم أنني بعد قليل سأترك قلبي معها وأغادر.
ساي
فاجأتني الممرضة حين أخبرتني أن هاك في غرفة الانتظار وحان دوره. تفهمت تماما حالة هاك، لم أكن أود أن أعطيه المزيد من الوقت أو التفكير، أمره لم يعد من شأني، جملتان أراد أن يقولهما وسمعتهما وانتهى الأمر، أدرك هاك أن رسالته قد وصلت ولم يتصل بي ثانية، لا أنكر اعتصار قلبي ألما عليه حين رأيته، ولكن الدروب لم تعد تجمعنا وليس في يدي حيلة. بقيت لعدة أيام شاردة البال أفكر في هاك، أظن أنني كنت كئيبة بعض الشيء، لاحظ هيروكي ذلك لكنني لم أود أن أشرح الموضوع لأنه غير مهم. حقا لا أريد أن أتحدث عن شيء، أحتاج لبعض الصمت في هذه الأيام.
بعد عدة أيام أخبرني هيروكي أنه سيسافر لحضور مؤتمر في السويد، فأعددت له حقيبة سفره، وحين ودعني بدا عليه الشحوب كثيرا، قلقت جدا، هل هيروكي مريض؟ هل يخفي عني شيئا؟ سألته، فأكد لي أنه بخير، إنما هو انشغال باله بشكل عام. ما أعلمني به في بادئ الأمر أنه سيغيب عشرة أيام فحسب، مر أسبوعان، وما زال هيروكي غائبا ولم يأت بعد، أخبرني أن دورة تدريبية جديدة سيتم افتتاحها وأن إقامته ستطول أسبوعا آخر، لم أعد أشعر بالراحة في المنزل وحيدة من غير هيروكي، أشعر بغربتي في كل مكان، فمنذ أكثر من سنة وأنا أصحو على صوت منبه ذاك العالم النشيط. هو يستيقظ باكرا منذ الساعة الخامسة صباحا، يتسلل من سريره كي يقرأ رسائله الإلكترونية، وبعد ساعة يوقظني بلطف وحنان. لا أدفأ من يوم يبدأ باحتساء قهوة أعدها هيروكي، وبقرب هيروكي، ومع تبادل الحديث مع هيروكي. منذ أن تزوجنا وهو يعاملني كأميرة، لقد ازداد تعلقي به، أحببته أكثر فأكثر. أستطيع بسهولة أن أرى كم هو ممتن لكل ما أقوله، لكل ما أفعله، أو حتى لكل ما لا أفعله، هو راض دائما فحسب. ذاك الرضا والامتنان يدفعانني دوما لإعطاء المزيد له، من الحب والمشاعر والاهتمام. أحاول أن أحيطه بكل ما هو جميل بكل ما أملك من طاقة. أشعر بسعادة غامرة حين أرى أن راحته فقط أن يستند على كتفي وأضمه بين ذراعي.
حين طال غيابه كثيرا اتصلت به وأخبرته أنني سأسافر لبضعة أيام إلى مدينتي، علني أخفف من وطأة وحدتي، وحدتي التي كنت قد اعتدت عليها لسنين طويلة، الآن لم أعد أستطيع تحملها حتى لأسابيع! كم يتغير الإنسان بسرعة! ما زاد الأمر سوءا هو أنني بقيت أفكر في حالة هاك، وجودي لوحدي أعاد لي ذكرياتي السابقة مع هاك. أعاد لي كل الأيام الماضية بحلوها ومرها، لم تكن قصتنا بتلك البساطة، لتنتهي من روحي ببساطة!
الفصل الثالث
فصول لا تنسى
هاك 1994
অজানা পৃষ্ঠা