সওত আল-আকমাক: দর্শন ও মনস্তত্ত্বে পাঠ ও গবেষণা
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
জনগুলি
حين يتصرف المرء وفقا للقوانين والمؤسسات يكون فعله واعيا إراديا، أما الطرق الشعبية فيتبعها الناس دائما عن وعي وغير إرادة، فللطرق الشعبية سمة الضرورة الطبيعية. قد يعكر التأمل والشك البحثي صفو هذه العلاقة التلقائية، وتحل القوانين بوصفها أحكاما وضعية محل العرف والتقليد، غير أن العرف سرعان ما ينشط وينهض بعمله حيثما فشلت القوانين والمحاكم. إن الأعراف تغطي النطاق العريض للحياة العامة حيث لا قوانين ولا أحكام شرطة، وتبسط سلطانها على مجال هائل وغير محدد، وتقتحم مجالات جديدة لم تتحدد ضوابطها بعد. يتبين من ذلك أن العرف ينشئ قوانين جديدة ولوائح بوليسية في الأوان المناسب.
تصلب الأعراف وقصورها الذاتي
هكذا ينبغي أن نتصور الأعراف على أنها نسق عريض من الأحكام التي تشمل الحياة كلها وتخدم مصالحها جميعا، وتحمل في ذاتها مبرراتها عن طريق التقليد الموروث والاستخدام والعادة، ويسلم الناس بها خضوعا لسطوة سرية باطنة إلى أن تؤسس، عن طريق التأمل العقلي، تعميماتها الفلسفية والأخلاقية الخاصة، والتي ترقى عندئذ لتصبح «مبادئ» الحق والصواب.
تسيطر الأعراف على كل جيل ناشئ وتخضعه لسلطانها، والأعراف لا تحفز الفكر بل تثبطه. فالتفكير قد تم وقضي أمره وتجسد في الأعراف، ولا تحمل الأعراف على الإطلاق أي احتمالات بمراجعتها وتعديلها؛ فالأعراف ليست أسئلة بل أجوبة، أجوبة عن مسائل الحياة، وهي تقدم نفسها كشيء نهائي وغير قابل للتغيير؛ لأنها تمثل أجوبة مقدمة بوصفها «الحقيقة».
ليس بوسع أية فلسفة شعبية أن تقدم نفسها كشيء مرحلي وغير مكتمل وقابل للدحض غدا مع نمو المعرفة؛ فهذا التوجه الفلسفي حديث للغاية، ذلك أنه يكلف المرء عنتا ذهنيا شديدا. إن جميع الشعوب التي نرى أعرافها أدنى مستوى من أعرافنا هي على قناعة تامة بما لديها من أعراف مثلما نحن على قناعة بما لدينا. فالأعراف إنما تقيم بمدى تجاوبها مع ظروف الحياة ومصالحها في زمان ومكان معينين، ومن ثم فمن الصلاح والتيسير ألا يوليها أحد تفكيرا أو تأملا بل يتعاون الجميع في تنفيذها غريزيا.
وتقدم لنا شعوب جنوب شرق آسيا مثالا واضحا لثبات الأعراف وتصلبها؛ فالخوف من الأشباح وعبادة السلف هناك تضمن للعرف الاستمرار والبقاء عن طريق السلطة الدوجماوية والتحريم القاطع والعقوبات الثقيلة. هنالك تفقد الأعراف طبيعتها وحيويتها وتصبح قوالب مكرورة لا صلة لها بالنفع والملاءمة ومقتضى الحال. تصبح غاية في ذاتها، تفرضها السلطة الآمرة، دون اعتبار للمصالح والظروف (الطبقات، زواج الأطفال، حرق الأرامل ...) حين يسقط أي مجتمع تحت هيمنة هذا المرض العرفي يصبح التعليم كله حفظا لأقوال حكماء الماضي الذين وضعوا صياغات الأعراف. تصبح هذه الكلمات «كتابات مقدسة» كل عبارة منها هي قاعدة سلوك يجب أن تطاع، بصرف النظر عن المصالح الحاضرة، وبصرف النظر عن أي اعتبارات عقلانية.
الأعراف والأخلاق - الدستور الاجتماعي
تقدم الأعراف لكل شخص تصورا عما ينبغي أن يكون، وتقدم تصورا عما تكونه اللياقة والرقة والإحسان والأدب والنظام والواجب والصواب والحقوق والنظام والاحترام والتوقير والتعاون والزمالة، وتقدم تصورا عما يكونه الخير والشر. وبوسع الأعراف أن تجعل أشياء معينة تبدو صوابا وخيرا لجماعة معينة وعصر معين، وأن تجعل هذه الأشياء نفسها لجماعة أخرى وعصر آخر تبدو مضادة لكل طبيعة إنسانية وكل غريزة بشرية. انظر إلى القرن الثالث عشر كيف ربى في كل قلب شعورا تجاه الهراطقة جعل أعضاء محاكم التفتيش يبدون في دعاواهم القضائية ارتيابا لا يقل عن ارتياب أهل زماننا إذا ما عمدوا إلى إبادة الحياة ذات الجرس. كذلك كان القرن السادس عشر يثير حول السحرة من الانطباعات ما جعل مضطهدي السحرة يعتقدون أنهم يشنون حربا مقدسة ضد أعداء الله والبشر.
لا تعدو فلسفة الحياة في أي عصر من العصور أن تكون تأملا في الأفق الذهني الذي أفرزته الأعراف والأفكار السائدة التي تقبع في الأعراف ذاتها، و«الأخلاقيات»
morals
অজানা পৃষ্ঠা