সওত আল-আকমাক: দর্শন ও মনস্তত্ত্বে পাঠ ও গবেষণা
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
জনগুলি
كارل بوبر
إن ما يتضمنه كتاب «المجتمع المفتوح» لبوبر من دفاع إيجابي عن الانفتاح الديمقراطي وعن التسامح يبقى، ربما، أقوى دفاع يسطره قلم في جميع العصور.
بريان ماجي
يعد كارل بوبر واحدا من أهم أنصار الديمقراطية ودعاة المجتمع المفتوح، ويعد فوق ذلك من أشرس خصوم المجتمع المغلق والشمولي واليوتوبي، وأشدهم بأسا وأبلغهم حجة، في كتابه «المجتمع المفتوح وأعداؤه»، الذي تعده بعض المؤسسات الثقافية الكبرى الكتاب الرابع في الأهمية بين ما كتب في القرن العشرين. يبرهن بوبر بالحجة على أن اليقين لا وجود له في السياسة مثلما هو لا وجود له في العلم؛ ومن ثم فإن فرض وجهة واحدة من الرأي هو أمر ليس له ما يبرره. وأسوأ صور المجتمع الحديث جميعا هي تلك المجتمعات التي تفرض تخطيطا مركزيا ولا تسمح بالمعارضة، فالنقد هو الطريق الرئيسي الذي يمكن به تنقيح السياسات الاجتماعية قبل تنفيذها، وملاحظة النتائج غير المرغوبة هي أوجب سبب لتعديل السياسات أو نبذها بعد أن يتم تنفيذها. يتبين من ذلك أن المجتمع الذي يسمح بالمعارضة والحوار النقدي، أي المجتمع المفتوح، سيكون بالتأكيد أقدر على حل المشكلات العملية لصناع السياسات من المجتمع الذي لا يسمح بذلك، وسيكون تقدمه أسرع وأقل تكلفة.
في السياسة إذن، كما في العلم، نحن نتخلى عن الأفكار الراسخة لصالح ما نتوسم فيه أنه الأفضل، فالمجتمع أيضا في تغير دائم، ومعدل التغير في زيادة مطردة. وإذا كان الأمر كذلك، فإن خلق حالة مثالية للمجتمع والإبقاء عليها ليس هو الخيار الأفضل لنا، وواجبنا هو أن نتحكم في عملية التغير المستمر الذي لا يتوقف عند حد؛ لذا فإن شغلنا الشاغل هو حل المشكلات. شغلنا هو البحث عن أسوأ الشرور الاجتماعية ومحاولة إزالتها: الفقر والبؤس، تهديد الأمن، مساوئ التعليم والخدمة الطبية ... إلخ. ولأن الكمال أو اليقين غاية لا تدرك، فإن من واجبنا ألا ننصرف إلى بناء مدارس ومستشفيات نموذجية بقدر ما ننكب على التخلص من الخدمات الأسوأ وتحسين نصيب الناس من هذه الخدمات. إننا لا نعرف كيف نجعل الناس سعداء، ولكن بإمكاننا رفع ما يمكن رفعه من المعاناة والضنك (مذهب المنفعة السلبي).
12
كانت السمة المميزة لدفاع بوبر عن الديمقراطية هي أنه جمع في معالجته لموضوعه بين مجالات متباعدة تباعد فلسفة العلم والفلسفة السياسية. وكان العنصر الموحد بين هذه المجالات هو تطبيقه لمنهجه النقدي على المسائل الاجتماعية والسياسية؛ ذلك أن فلسفة بوبر السياسية، شأنه شأن معظم فلاسفة السياسة الكبار منذ أفلاطون إلى ماركس، ترتكز على فلسفته الإبستمولوجية. إنه يعتبر الحياة عملية متصلة من «حل المشكلات»
problem solving . ومن ثم فقد كانت بغيته السياسية هي ذلك المجتمع الذي يتصف بأنه موصل جيد لعملية حل المشكلات. وحيث إن حل المشكلات يستلزم الطرح الجريء للحلول المقترحة التي توضع عندئذ على محك الاختبار النقدي لاستبعاد الحلول الفاشلة ونبذ الأخطاء، فإن أصلح المجتمعات هو ذلك الذي يسمح بالاختلاف ويصغي إلى شتى الآراء، ويتبع ذلك بعملية نقدية تفضي إلى إمكان حقيقي للتغيير في ضوء النقد. إن مجتمعا يتم تنظيمه وفقا لهذه التوجهات سيكون أقدر من غيره على حل مشكلاته ويكون من ثم أكثر نجاحا في تحقيق أهداف مواطنيه مما لو نظم وفقا لتوجهات أخرى. وعلى النقيض من الاعتقاد الشائع بأن الديكتاتورية أو «الاستبداد العادل» هو شكل من الحكومة أكثر كفاءة ونجاعة من الشكل الديمقراطي، فقد أثبت بوبر بالحجة الدامغة أن المجتمع المفتوح بمؤسساته الحرة وانفتاحه على النقد هو أقدر على أن يجد سبلا أفضل لحل مشكلاته على المدى البعيد؛ فالمؤسسات الحرة تتيح لنا أن نغير رأينا فيما ينبغي أن يكون عليه الحكم وأن نضع هذا التغيير موضع التنفيذ دون إراقة دماء.
إن الدول التي حققت أعلى مستويات المعيشة لأفرادها هي جميعا ديمقراطيات ليبرالية، لم تنم هذه الحقيقة من أن الديمقراطية ترف تمكنت هذه الدول من تقديمه بفضل ثرائها، بل العكس هو الصحيح، والصلة السببية إنما هي في الاتجاه المضاد: لقد كانت أغلبية هذه الشعوب تعيش الفقر يوم انتزعت حق الاقتراع العام، وقد أسهمت الديمقراطية بدور أساسي في رفع مستوى معيشتهم، فالمجتمع الذي يمتلك نظما ومؤسسات حرة هو جدير من الوجهة العملية أن يكون أكثر نجاحا في مراميه المادية وغير المادية من المجتمع الذي لا يمتلك هذه النظم.
13
অজানা পৃষ্ঠা