সওত আল-আকমাক: দর্শন ও মনস্তত্ত্বে পাঠ ও গবেষণা
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
জনগুলি
في مجال كهذا يعج بالدعاوى الطنانة، من الأسلم لنا أن نبدأ باستعمال كلمة «ديمقراطية» بأضيق معنى لها؛ فالديمقراطية وفقا لهذا التصور الضيق هي المنهج الخاص باختيار حكومة عن طريق الانتخابات التنافسية التي يشارك فيها من هم غير أعضاء في الجماعات الحاكمة. من المؤكد أن الديمقراطية بهذا المفهوم ليست هي المثال الأعلى للحياة مهما قلنا في مزاياها أو في عيوبها، وما نظن أحدا قط نظر يوما إلى حق تنظيم اقتراع - مرة كل عام أو نحو ذلك - على أنه غاية في ذاته. غير أنه من المؤكد أن المجتمع الذي ترسخ فيه المنهج السياسي الديمقراطي، لديه مصدر هائل للطمأنينة؛ فهو يمتلك منهجا آمنا سلميا لتحديد من سوف يتولى السلطة، ولإحداث تغييرات في بنية السلطة. إلا أن السلام نفسه ليس أكثر من قيمة واحدة بين غيرها من القيم. صحيح أن توفير الأمن والنظام هو أمر له قيمته، ولكن تقدير هذه القيمة على وجه الدقة هو شيء متوقف على نوع ذلك الأمن وهذا النظام. إن أهمية المنهج السياسي الديمقراطي إنما تكمن في نواتجه غير السياسية بالدرجة الأساس. إنه منهج مهم؛ لأن المجتمع الذي يترسخ فيه هذا المنهج سيكون من المحتمل أن يتميز عن غيره بجوانب أربعة على الأقل: سيكون متميزا من حيث الأوضاع التي تحمي حرياته، ونوع الإجماع السائد، وطبيعة الصراعات الدائرة داخله، والطريقة التي يربي بها حكامه ومواطنيه.
ولنبدأ بالحريات. إن الديمقراطية، محددة بصرامة كمنهج لاختيار الحكومات، لا تضمن الحريات الشخصية للمواطن، فكم تعدت حكومات ديمقراطية على الحريات الشخصية كما كان يحدث في مستعمرة نيوإنجلند، وكم أمنتها حكومات غير ديمقراطية كما في فينا قبل الحرب العالمية الأولى. إلا أن للانتخابات التنافسية مزاياها. وليس السماح للمجتمع باختيار حكومته غير واحدة من هذه المزايا؛ ذلك أنه من أجل الحفاظ على الانتخابات التنافسية فمن الضروري أن تكون لدينا معارضة، ولا بد أن تكون للمعارضة بعض الحقوق والسلطات الخاصة بها؛ فالآراء السديدة لبعض من هم خارج الحكومة يجب أن تلتمس، ويجب أن يتمتع بعض أعضاء المجتمع بضروب من الحصانة ضد انتقام السلطات القائمة. وهذا يستتبع رتلا كاملا من المؤسسات: محاكم لا تخضع لغير قوة القانون، صحافة غير مكرسة كليا لتعزيز مصالح من هم في السلطة، وكالات مستقلة للتحقيق والنقد الاجتماعيين ...
إن هذه الأوضاع اللازمة للانتخابات هي ما يضفي على الانتخابات أهميتها على المدى الطويل . وبخصوص الديمقراطية السياسية فإن هذه الأوضاع هي مجرد وسائل لغايات؛ فهي تجعل الانتخابات التنافسية ممكنة، ولكن ما كان لهذه الأوضاع أن تبرر ذاتها لو لم يكن نظام الانتخابات التنافسية يتطلبها ويتعهدها. إن الأوضاع اللازمة للحفاظ على نظام انتخابي صحيح هي السبب الأقوى الذي يدعونا إلى الحفاظ على هذا النظام. والحق أن المرء قد يقدر مثل هذا النظام حتى لو كان يرى أن جميع الانتخابات هي عبث وحماقة، وقد يكون لديه سبب لهذا التقدير معادل أو ربما أقوى مما لدى ذلك الشخص الذي يجد نفسه دائما يصوت بسعادة للطرف الفائز. إن غير المنتمي، وكذلك الخاسر، هما المستفيدان بوجه خاص من وجود نظام سياسي يخلق مؤسسات ذات مصلحة مكتسبة في الحرية.
يساعد النظام السياسي الديمقراطي فوق ذلك على تبني نوع مختلف من الإجماع الاجتماعي. صحيح أن هناك ضروبا كثيرة من التنظيم السياسي قد أتاحت للناس أن يشعروا أن الحكومة التي يعيشون تحت إمرتها هي حكومتهم، وليس هناك ما يدل على أن الديمقراطية هي بالضرورة أفضل من غيرها من النظم في تعزيز هذا الشعور بالتوحد بين الحكام والمحكومين، ولكن الفضيلة التي تنفرد بها الديمقراطية هي أنها تسبغ الطمأنينة على أولئك الأفراد الذين لا يعتبرون قادتهم السياسيين من فصيلهم، والذين هم حريون حقا أن يفقدوا احترامهم لذاتهم إذا قدموا ولاءهم غير المشروط لأي مؤسسة بشرية. ورغم كل ما يقال عن ضغوط الديمقراطية نحو الإذعان (استبداد الأغلبية)، وهو حق جزئيا، فإن الديمقراطية تكرس حقيقة الاختلاف وفضيلة الرأي المستقل. وهي لكي تكون ديمقراطية بحق فإنها تتطلب موقفا إنسانيا راقيا بشكل غير عادي؛ هو المعارضة الموالية. إن آية الإنسان المتحضر، وفقا لقاعدة جستس هولمز الشهيرة، هي أنه يستطيع أن يفعل باقتناع في نفس الوقت الذي يشك فيه في مبادئه الأولى ويضعها موضع التساؤل. والمسوغ الأساسي لتنصيب حكومة ديمقراطية هو أنها تسمح بالمخالفة وتبقي عليها. وهي من هذه الجهة تحتل نفس الموقع الأخلاقي للإنسان المتحضر.
من شأن المنهج الديمقراطي أيضا أن يغير طبيعة الصراعات التي تحدث في المجتمع . إن المشكلة الأزلية لعلم السياسة هي كيف تدير الصراع، وما يجري في صراع ما يتوقف على من هم المشاهدون للصراع وما هو رد فعلهم وما هي سلطتهم وقواهم. ومن الحقائق الهامة عن الديمقراطية السياسية أنها توسع بدرجة هائلة قاعدة المشاهدين الذين يشهدون الصراع ويتأثرون به ويشاركون فيه، وهو ما يجعل مواطني النظام الديمقراطي يشعرون في كثير من الأحيان أن الديمقراطية مضجرة وأن مجتمعاتهم هشة دون غيرها من المجتمعات. لقد كان هوبس (الذي قال عن نفسه إنه ولد هو والخوف توأمين) يؤيد الاستبداد من أجل الأمان النفسي والسلامة البدنية.
ولكن قولنا إن الديمقراطية توسع مشهد الصراع، مكافئ لقولنا إنها تقنية لصبغ الصراع بصبغة اجتماعية؛ فهي تفرض ألوانا من الضغوط على المتصارعين وتمد من السيطرة الشعبية على المعارك الشخصية والترتيبات الخاصة. وهي تفعل ذلك سواء كانت هذه المعارك الشخصية داخل الحكومة أو خارجها. ولعل ارتباط الديمقراطية بفكرة المغامرة الشخصية لا يخلو من مفارقة؛ فالنظم الشمولية تنطوي، بمعنى ما، على مغامرات شخصية (أي فوق المناقشة والرقابة الخارجية) أشد هولا مما نجده في النظم الديمقراطية. وتبقى مشكلة النظام الديمقراطي هي، حقا، معرفة أين نرسم الخطة: أين نقول «من هنا لا محل للرقابة الخارجية.» (هذا الخط يرسمه بصرامة شديدة أولئك الذين يصنعون القرارات الهامة في المجتمعات الشمولية).
غير أن الخدمة الحاسمة التي تقدمها الديمقراطية وتسبغها على شخصية المجتمع الذي يمارسها إنما تأتي من طريق التربية. ولنبدأ ببيان تأثير الديمقراطية السياسية على قادتها. فالمنهج الديمقراطي، شأنه شأن أي منهج سياسي آخر، هو منظومة من القواعد التي تحكم التنافس السياسي. تتمتع مثل هذه القواعد بسطوة انتقائية وأخرى تربوية. إنها تحبذ أنواعا معينة من الناس، وتجعل أصنافا معينة من الفضائل أكثر جدوى، وتتيح أيضا ظهور أصناف معينة من الشرور. من هنا فإن أهم ما يميز قواعد التنافس في النظام الديمقراطي هو أنها تسمح للخاسر أن يخسر بكرامة وكبرياء، وتتيح له أن يبقى وأن يحاول مرة أخرى إذا شاء؛ فالرهانات ثقيلة ولكن لها حدودا (ليس في الديمقراطية «كروت محروقة »، ولا «أفيال» تنزوي للموت، ولا معارك ديوك لا بد فيها من أن يموت الخاسر)، وحتى نصيبها المقسوم من الفساد لا يعدم مزية تقال في حقه؛ فهي تعرض أعضاءها للمساءلة لا للهلاك، للتهمة لا للإدانة. إن الكف الملوثة بالشحم بغيضة ولكنها أهون على كل حال من لكمة القبضة الحديدية.
ويرتكز المنهج السياسي الديمقراطي، فوق ذلك، على الشورى المتبادلة بين القادة والأتباع. وهناك طرق عديدة للحصول على تأييد الناس لسياسات القادة في النظام الديمقراطي. غير أن أهم شيء هو ذلك الإحساس الذي تمنحه الديمقراطية للناس بأن رأيهم قد تم أخذه وأن وجهة نظرهم قد تم وضعها في الاعتبار. من شأن ذلك أن يجعل القيادة في النظام الديمقراطي أمرا مرهقا. والحق أن من أكبر المخاطر التي ينطوي عليها النظام الديمقراطي هو، ببساطة، أن القادة فيه يفتقرون إلى الخصوصية والهدوء اللازمين لأي قرارات بعيدة المدى واضحة الرؤية. غير أن هذا خلل في فضيلة؛ فالسلطة، بصفة عامة، عزلة، والنظام الديمقراطي هو محاولة محسوبة لكسر هذه العزلة، فالشروط والأوضاع التي يتقلد تحتها القادة الديمقراطيون السلطة هي شروط تبصرهم بتعقيدات المشاكل التي حملوا مسئوليتها، وتفقههم في دقائق الأمور التي انتدبوا لها.
وهناك وجه آخر لنفس العملة. كان بركليز يقول: «ربما تكون قلة منا، نحن الأثينيين، هي القادرة على وضع السياسات، ولكننا جميعا نملك القدرة على الحكم عليها. وبدلا من أن ننظر إلى الحوار كحجر عثرة في طريق الفعل، فنحن نراه مقدمة لا غنى عنها لأي فعل سديد على الإطلاق.» ولكن ثمار الحوار الحر لا تفصح عن نفسها في السياسة العامة فحسب، إنها تفصح عن نفسها أيضا في اتجاهات المتحاورين أنفسهم وفي مواقفهم وقدراتهم. إن الترتيبات السياسية الديمقراطية هي من بين العوامل التي أنتجت واحدة من السمات المؤلمة والواعدة للحياة الحديثة؛ ألا وهي إحساس الناس بأن تعليمهم قاصر، وتأكيدهم بأن لهم الحق في التعليم. كما ساعدت الديمقراطية على تعزيز تصور كلاسيكي للتعليم: وهو أنه يجب أن يكون تعليما اجتماعيا فضلا عن كونه تقنيا، عاما فضلا عن كونه خاصا ، حرا وليس نظريا منبتا عن الواقع العملي. وبمقدورنا أن نعكس التصور التقليدي للعلاقة بين التعليم والديمقراطية دون أن نجانب الصواب: إن التعليم ليس مجرد متطلب أساسي للديمقراطية، إنما الديمقراطية ذاتها إسهام في التعليم. (2-2) فوائد الديمقراطية
ولكن بحسبنا ذلك من حديث عن الأنظمة السياسية؛ فما السياسة، في أي نظرة حرة إلى الحالة البشرية، سوى مؤسسة تابعة وعمل من الدرجة الثانية.
অজানা পৃষ্ঠা