الأوجه الضاحكة البارزة من الحوائط والرءوس العديدة والابتسامات الممزوجة بالهجو والسخرية، كلها كانت تتركني في حيرة واضطراب، ثم التفت إلى الجهة اليسرى من صالة صغيرة فرأيت عينين سوداوين تتأملان في محيط الصالة. هاتان الدرتان النفيستان اللتان تزينان ذلك الرأس الجميل، لا بد وأن يكونا عيني الملكة «تابا» لأن نظراتها الحادة كانت تتعقب المرء فتؤثر عليه بسحرها الخاص.
وقد تمكنت هذه المرأة الفتانة من الزواج بفرعون زمانها مع أنها لم تكن أصيلة أو ذات نسب عريق في المجد، وعلى مر الأيام زادت عظمتها وكبرت أبهتها حتى انقاد الجميع إلى أمرها وحكمها، ثم انتهزت فرصة ممات «أمانوس الثالث» فشاركت ابنها البكر في الحكم وأدت لمصر خدمات جليلة بما أبدته من الحنكة العالية والذكاء الفطري في تدبير الأمور.
تشبه هذه الملكة نوعا ما السلطانة «كوسم»
2
في الفكر والقدرة؛ لأنها هي أيضا نالت موقعا هاما من الإجلال والإعظام في أيام حكم ابنها السلطان إبراهيم حتى أصبح في يدها مقاليد كل الأمور.
وقد اشتهر عن كلتا هاتين الملكتين الذكاء والقدرة في تولي الحكم، إلا أن التاريخ يذكر اسميهما مقرونا بالشدة والغرور.
أصحاب العلم والعرفان يزداد عددهم على مر السنين والأيام، إلا أن منزلتهم العلمية وقيمتهم المعنوية هي هي في كل عصر وكل زمان، فالملكة «تايا» التي كانت سببا في رفاهية وتقدم مصر في عصرها منذ ستة آلاف سنة مضت، ظهرت عظمتها في القرن الحادي عشر من الهجرة في شخص السلطانة «كوسم».
كنت أمتع النظر بمرأى الآثار العديدة، وأقف أمام مدهشات كثيرة لا تعد. إلى أن مررت بجانب أحد الأبواب فاستلفت نظري أحد التماثيل بشكله المعنوي. كان التمثال هو الهيكل المعروف «بشيخ البلد» ذلك التذكار الباقي من أيام الفراعنة، مصنوع بشكل فني بديع، وفي يده عصاه التي يحث بها قومه على الجد والعمل.
الشرق شرق في كل زمان؛ فالكسل إحدى مميزاته الممزوجة بحالته الروحية تلك الميزة التي يسعى الشرقيون في رفعها وإزالتها في كل حين وآن.
طفت بعد ذلك في أنحاء تلك الغرفة العجيبة الموجود بها عجول «ايبيس» ومنها انتقلت إلى غرفة أخرى، رأيت بها الأميرة «نوفريت» المرتدية بجلبابها الأبيض الناصع تنظر إلى ما حولها بعينيها الجميلتين، حيث كانت جالسة على كرسي سلطنتها جلسة من يستمع أحاديث نخبة من الخلان الأصفياء. فتركت غرفتها ببطء خشية الإخلال بالسحر المعنوي الضارب في أطنابه وتابعت المسير باحثة عن إحدى ملكات الشعر والخيال. فنقبت عنها في كل حجرة وصالة، ولكن ذهبت كل أتعابي أدراج الرياح ؛ لأنني لم أعثر على أي أثر يدل عليها. كنت أبحث عن ملكة لها حادث خاص في التاريخ، تلك هي «نيتوقريس» ذات الخدود الوردية. يذكر عنها التاريخ أنها كانت تسبح ذات يوم من أيام الصيف في مياه النيل فتركت حذاءيها المزركشين على شاطئه الذهبي، وبينما كانت الشمس ترسل أشعتها على الحذاءين فيزداد بريقهما انقض عليهما طائر واحتمل أحدهما على منقاره حتى «منفيس» وألقاه أمام فرعون ذلك العهد الذي كان مجتمعا بأركان دولته وأعيان مملكته في ميدان فسيح.
অজানা পৃষ্ঠা