عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون (سورة يوسف: آية 21).
أترى هذا الإجمال؟ ألا يشوقك أن تعرف كيف انتفع يوسف بتأويل الأحاديث، وماذا سيكون من أمره في هذه البلاد؟ أنت تعرف القصة، وأنا أعرفها، ولكن لا شك أن كلينا يريد أن يعرف. إنه الفن في قمة روعته.
أستغفر الله. إنما الفن قد يكون عمل البشر، إنما هذا هو الإعجاز. ومن أعظم إعجازا من الله العلي الكبير؟ •••
في انتقالة سريعة وامضة تنتقل قصة يوسف إلى فترة زمنية أخرى، انتقالة أشبه ما تكون بالنقلة الفيلمية، أو بالنقلة القصصية الحديثة.
ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين * وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك
5
قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون .
وفي انتقالة سريعة وامضة أخرى ذهبنا إلى قصة جديدة. إنها حياة عريضة مليئة بالمغامرات يخوضها سيدنا يوسف وتقدمها لنا قصته القرآنية في تشويق أخاذ. لو أن قصصيا اقتبس هذه القصة لاستطاع أن يسميها مغامرات يوسف، ولاستطاع دون جهد يذكر أن يجعل منها فيلما سينمائيا رائعا .. ماذا فعل يوسف؟ انظر معي:
ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين .
إن العرض القصصي هنا في قمته .. فأروع ما في العرض القصصي السرد الفني. وقد كانت السورة خليقة أن تستر على يوسف أنه هم بها، ولكن الله سبحانه يريد أن يقول لعباده إن يوسف كان إنسانا مثلكم، يهم بالخطيئة شأن الإنسان .. ثم يرجع عنها شأن الصالحين. في هذه الجملة روعة فنية وكشف نفسي عميق؛ فهي تجعل القارئ يطمئن أنه أمام شخصيات تحيا وتعيش مثل حياة الناس وعيشهم، يهمون بالخطأ، ويوشكون أن يقعوا فيه، ثم يرتدون عنه. إن لم يفعلوا ذلك كانوا ملائكة. والله سبحانه وتعالى لا يريد أن يقص علينا قصص الملائكة، إنما يريد أن يروي لنا قصص ناس مثلنا يجري عليهم ما يجري علينا من مشاعر ومن أخطاء ومن رغبات. إن قصص الملائكة لن تجدينا في شيء. فإننا سنقول في أنفسنا. وأين نحن من الملائكة؟ أما قصص الناس فإنها تغرينا أن نتشبه بهم حتى وإن كانوا أنبياء. لنمض إذن مع قصة هذا الإنسان.
অজানা পৃষ্ঠা