فسألتها وقلبي يفزع بكل قواه إلى التملص من قبضة اليأس: أليس ثمة رجاء؟
فقالت وهي تحث خطاها: لست أنا الذي أخاطب في هذا الشأن!
وتوقفت عن السير، ولبثت هنيهة جامدا ذاهلا. ثم صحت وأنا أفرقع بأصابعي: يا لي من غبي! لو أنها أرادت الرفض لما أعوزها الجواب القاطع! ألم تذعن لي في الترام؟ ألم تصغ إلي منذ دقائق؟ ألم تقل لي إنها ليست هي التي تخاطب في هذا الشأن؟ ففيم أطمع وراء ذلك؟ إنها دعوة متوارية لطيفة. وشاع في نفسي سرور كالخمر، وخيل إلي أنني أترنح كالثمل!
34
وعدت إلى البيت وذكريات الساعة الماضية تسجع في قلبي أعذب الألحان. تملكني شعور بالقوة لا حد له، وازدهاني الغرور والزهو، وحييت في الدقيقة الواحدة دهرا طويلا من السعادة الصافية. وقلت وأنا أرتقي السلم «سأفاتح أمي بالأمر كله!». قلتها بلا خوف ولا تردد، ربما بلا رحمة أيضا، وطرقت الباب، ففتحت لي بنفسها وهي تتمتم مبتسمة كعادتها: أهلا بنور العين!
وجدتها على الأناقة التي أحب أن تلقاني بها، وتفرست في وجهها الوديع الوقور المشرق بابتسامة الترحيب، فبدت لي خطورة ما أنا مقدم عليه، واعتراني وجوم وخوف، وقلت لها في تردد غابت عنها أسبابه وبواعثه: لننتقل عما قريب إلى مسكن لائق، لأعيدن إليك خدمك وحشمك!
فابتسمت وقالت: هذه أسعد أيام حياتي لأني أقوم فيها على خدمتك.
وخلعت ملابسي، وعدت إلى الصالة فجلسنا على كنبة متجاورين وأنا أقول بقلبي: «اللهم عونك ورحمتك!» واستحوذ علي القلق والحياء، إنها مهمة شاقة محزنة، ولكن ما منها بد. واسترقت إليها نظرة فوجدتها آمنة مطمئنة، غافلة عما أضمره لها، فوخزني الندم، وكادت تتخلى عني قوة التصميم، بيد أنني أشفقت من عواقب التردد والاستسلام لدواعي الخور، فرميت بنفسي في الهاوية قائلا: أماه أريد أن أحدثك بأمر هام!
ورمقتني بنظرة غريبة، خلتها مريبة متوجسة، حتى حسبتها قد كشفت حقيقة الأمر كله بقوة إلهام خارقة .. أنمت نبرات صوتي على ما يدور بنفسي؟! .. أم فضحتني نظرة عيني؟! أم لم يكن هناك شيء مما حسبت وشبه لي الوهم ما لا حقيقة له؟! أما هي فقالت بهدوء وتساؤل: خير إن شاء الله!
وصممت أن أجوز منطقة الخطر دفعة واحدة، فقلت مستشعرا خوفا لا مراء فيه: سأتوكل على الله وأتزوج!
অজানা পৃষ্ঠা