فقال الدكتور أمين بلا تردد: استدعيت إلى عيادة المريضة زهاء التاسعة صباحا فوجدتها في حال سيئة من الألم، ففحصتها فتبين لي أن البروتون ملتهب وأنه يستوجب عملية عاجلة، فقررت إجراءها إنقاذا لحياة المريضة، وأعلنت رأيي لأمها فوافقت، وفي الحال أجريتها، ولكن حدث أن ثقب الغشاء ثقبا خطيرا، وذهبت مجهوداتي في إنقاذها سدى، فتوفيت! - هل سبق لك أن عالجت المتوفاة؟ - كلا! - ولا في هذا المرض الأخير؟ - كلا، وقد علمت أنها رقدت ليلة واحدة وكانوا يظنونها مصابة بنوبة برد. - هل من عادة هذه الأسرة أن تستدعيك فيما يلم بها من أمراض؟ - لم يحصل هذا، إلا أني لم أزاول مهنتي إلا منذ شهور تجاوز العام، ولا أذكر أن أحدا من الأسرة قد مرض في هذه الفترة. - هل تظنهم كانوا يستدعونك في مثل هذه الحال؟ - الواقع أنهم استدعوني في أول حال عرضت لهم. - ألا يعرفون اختصاصك؟ - بلى؛ ولكن شدة الحال جعلت الأم تستنجد بي، لقرب عيادتي من ناحية، وللقرابة التي تربطني بها من ناحية أخرى. - لا أرى في هذه الظروف ما يمكن أن يؤثر في اختيار الطبيب، ثم أنت كيف توافق على تلبية دعاء لحال مرضية تعلم أنها ليست من اختصاصك؟ ألا يشير الأطباء في أمثال هذه الظروف باستدعاء الطبيب المناسب؟ - رأيت اللياقة تقضي بأن ألبي الدعوة على الفور، فذهبت وفي ظني أنها حال إغماء أو مغص شديد أو ما شاكل ذلك مما لا يعجز طبيبا على الإطلاق، وأظن هذا ما دار بخلد الذين استدعوني. - ولكنك وجدت الأمر أخطر مما تصورت؛ فكيف كان تصرفك؟
فأمسك الدكتور عن الإجابة وخفض بصره في ارتباك وترو، فبادره المحقق قائلا: لماذا لم تشر باستدعاء جراح؟ - كانت الحاجة ماسة إلى عملية عاجلة. - هل مارست الجراحة قبل ذلك؟ - في الكلية طبعا! - أعني بعد ذلك؟ - كلا. - يدهشني أن أتصور إقدامك على إجراء هذه العملية الخطيرة.
فقال الدكتور أمين وقد تغيرت نبرات صوته قليلا واعترتها حدة عصبية: قلت إن الحال كانت خطيرة وتستدعي إجراء سريعا! - وكيف أحضرت الأدوات الطبية اللازمة لهذه العملية؟! هل كانت توجد بعيادتك؟
ولأول مرة تردد الدكتور قبل الإجابة، ثم قال: كلا! - كيف أتيت بها؟ - من زميل. - جراح؟ - أجل. - ولماذا لم تحضره؟ - كان مرتبطا بعمل في نفس الوقت. - من عسى أن يكون هذا الدكتور؟
فتردد مرة أخرى، ثم تورد وجهه الشاحب وقال بصوت منخفض: الحق أني أحضرتها من المستشفى؛ مستشفى فؤاد الأول. - بصرف النظر عما إذا كان هذا التصرف سليما أم لا من الناحية الإدارية، ألم يكن الأخلق بك وقد رأيت أنك لا بد منفق وقتا غير قصير في إحضار الأدوات بطريقة غير مشروعة، ألم يكن الأخلق بك أن تستدعي جراحا، خصوصا وأن استدعاءه لم يكن يستنفد من الوقت أكثر مما يستنفده إحضار الأدوات؟
فتفكر مليا ثم بارتباك ظاهر: كنت متأثرا بحال المريضة فلم أفكر في هذا! - الأقرب إلى المنطق أنه كان ينبغي أن تفكر في هذا بسبب هذا التأثر نفسه؟ وهب الحق كما تقول، فلماذا لم تنقل المريضة إلى المستشفى حيث يوجد الإخصائيون بوفرة؟ - لم توافق أمها على نقلها! - ألم يكن هذا أقل خطورة من تسليمها ليد غير خبيرة؟! ولكن لندع هذا الآن ...
وبسط المحقق صحيفة بين يديه، جرى بصره على سطورها، ثم قال وهو يعتدل في جلسته: ما رأيك في هذا؟ إني أراجع الآن تقرير الطبيب الشرعي فإذا به يؤكد أن التهاب البروتون لا يستوجب هذه السرعة التي تتحدث عنها كما تستوجبه بعض حالات الزائدة الدودية مثلا، فما رأيك في هذا؟
فلاذ الدكتور بصمت عميق، ونم لمعان عينيه عن تفكيره وقلقه. وعاد المحقق يقول: ويقول أيضا: إن العملية تستدعي بضع ساعات للتأهب لها بتناول المريض في أثنائها شربة عادة، ألم تعلم بهذه المبادئ الأولية في فن الجراحة؟ - علمت أن المريضة تناولت شربة مساء أمس ولم تذق بعدها طعاما. - هل أخذتها استعدادا للعملية؟ - كلا .. أخذتها بسبب ما ظن بها من برد، أما فكرة العملية فلم تنشأ إلا بعد حضوري اليوم.
واشتد انتباهي عند ذاك، وعجبت كيف لم يذكر لي أحد أن زوجي تناولت شربة. وذكرت كيف أبقيت بهذا البيت مع أنه كان بوسعها أن تعود إلى بيتنا ولو في تاكسي، وداخلني شعور ثقيل بالغموض والحيرة.
وعاد المحقق يقول: إني حيال عملية أجريت بسرعة جنونية لغير ما سبب فني يستدعي ذلك، وبيد طبيب غير جراح كان بوسعه ولا شك أن يدعو جراحا مختصا .. فما معنى هذا؟
অজানা পৃষ্ঠা