تراجعت متأوهة حتى استندت إلى مرآة الصوان وقالت بصوت تمزقه الشكوى: بالله لا تسئ بي الظن، لا شيء البتة يستوجب غضبك أو ارتيابك، أواه لا تنظر إلي هكذا!
ولكني لبثت أرمقها بنظرة صارمة قاسية ونفسي تتلهف على الحقيقة، فإما النجاة وإما الهلاك. رباه إني لفي كابوس طاغ، وهل كان يقع في ظني أن أقف منها هذا الموقف إلا في كابوس؟! واستدركت تقول بصوت متقطع الأنفاس: لا تنظر إلي هكذا! لقد أخطأت حقا ولكنك أنت المسئول عن خطئي! لقد فاجأتني فركبني الاضطراب، فتورطت في كذب لا داعي له!
رباه ما أحوجني إلى النجاة، ما أشد تلهفي على قطرة غيث تبل جوانحي! .. وقلت في حيرة: كان خطابا!
فبادرتني قائلة: أجل! وكان يبدو لي أمره تافها حتى وقع في نفسك الارتياب، وتجهم وجهك فتخيلت الأمر التافه جللا خطيرا فالتمست مخرجا في الكذب، وكان ما كان .
فسألتها وما أزداد إلا حيرة: إذا كان خطابا، فمن أرسله؟
فقالت وبها مثلما بي من الحيرة: لا أدري!
فنفخت قائلا: ما هذه المعميات؟!
تولى عنها الذعر رويدا، وتشجعت بانفثاء غضبي فقالت بصوت ملؤه الأمل: دعني أقص عليك قصة هذا الخطاب المشئوم بالحرف الواحد: لقد تلقيته صباح اليوم بالمدرسة، ففضضته بدهشة لأني لم أعتد تلقي الخطابات، ووجدته غفلا من الإمضاء، ولم يكن به سوى سخف وقح، خطه قلم شخص سمج! وملكني الحنق بادئ الأمر، ثم لم أعد أباله، وصممت على الاحتفاظ به لأطلعك عليه، وفي ظني أني أعد لك مفاجأة تضحك منها طويلا، ولكني غيرت رأيي عقب عودتك وخفت أن يثير بنفسك ما لا داعي له من الاستياء، وأخفيت عنك أمره حتى ظننتك غادرت البيت فاستخرجته من حقيبتي وأعدت تلاوته وفي نيتي أن أمزقه، ولكنك فاجأتني وقت تلاوته، ولم يغب عني حرج مركزي، ولم يعد بوسعي الاعتراف بالحقيقة، فتورطت كما قلت لك في الكذب، وجنيت من كذبي ما جنيت مما لا أستحق.
أصغيت إليها وكلي آذان، ولما انتهت من قصتها لبثت بموقفي جامدا متحيرا .. خفت وطأة الجنون الذي ركبني ولكني وقفت بباب التصديق والطمأنينة مترددا. وجدت نفسي في حيرة قاتلة دعوت الله أن يكشفها عني، وأن يهبني بصيرة نيرة أنفذ بها إلى أعماق هذا الصدر الجميل الذي كأنما خلق لتعذيبي. وأرهقني التفكير والتردد فقلت وكأنني أسائل نفسي: من مرسله؟!
وكأن السؤال آلمها، فغضت بصرها مقطبة وقالت: قلت كان غفلا من الإمضاء!
অজানা পৃষ্ঠা