88

قال همام: ولكنك تعرفين أنداده وأترابه، فمن منهم تحسبينه خليقا أن يعيد على مسمعه تلك العبارات؟

قالت: ومن أين لي أن أعلم؟ فقد يسمعونه من خادمة أو خادم في أكنان الحدائق وزوايا الطريق.

قال: أوهذا كلام خدم؟ إن الخدم لا يصطنعون التدليل والغزل على هذا المنوال.

فسكتت وسكت، وما في ذهنه ذرة من الشك في أن بعضا من ذلك الكلام الذي لغط به الطفل قد صدر من أمه ... لأنه كلامها، فكيف تسرب إليه؟ ومن أين؟

إن هماما ليذكر جد الذكر أنهما لا يتخاطبان في محضر الطفل إلا كما يتخاطب الرجل والمرأة في المجلس المشهود، وليس لسارة زوج يعيش معها، وليس من عادة الأزواج مع هذا أن يتغازلوا على هذا المنوال بمسمع الأطفال الصغار، فمن أين تسربت إليه المناجاة بطرفيها؟ من أين؟ نعم، من أين؟!

واقترنت تلك الظاهرة في حينها بظواهر مريبة مثلها ... ف «ماريانا» التي كانت لا تؤتمن على سر المعرفة بينهما ما بالها اليوم قد أصبحت مأمونة الجانب مغشية الدار حتى لا حذر من التواعد لديها على غير ضرورة؟ وتلك الزينة المعهودة بعطرها وشياتها ما بال سارة تحتفل بها في غير أيامها؟ ونوازع الغرائز التي لا سلطان عليها للمرأة ما بالها تتبدل؟ ووسائل الحيطة الخفية ما بالها تتعدد؟ وذلك التلطف المريب تلطف الآثم الذي يمسح حوبته بفرط المجاملة ويكفر عن خيانته الباطنة بفرط المصالحة الظاهرة، ماذا وراءها وماذا في أطوائها؟

علامات وقرائن لا يأخذ بها القاضي في قضائه بالإدانة، ولكنها كافية للتشكيك في خلوص النية.

والقضاء بعد مطالب بإقناع غيره محظور عليه أن يكتفي بإقناع نفسه ... أما الرجل الذي ينشد الطمأنينة مع المرأة فلمن يحكم إن لم يحكم لنفسه؟ وبأي اقتناع يدين إن لم يدن باقتناعه؟

وراء الأكمة ما وراءها ... تلك حقيقة لا ريب فيها، ولكن ماذا وراءها؟ قد يجهل الرجل ذلك على التحقيق والتفصيل، ولكن ألا يكفي أن تكون هناك أكمة وأن يكون هناك شيء مجهول وراءها ليقوم الحائل بين القلبين، ويكدر الجو بين الصفيين؟

وجائز عند همام أن تنصرف سارة إلى غيره، ولكن ليس بالجائز أن تستغفله؛ لأنها تتوهم في دهائها القدرة على الجمع بينه وبين غيره!

অজানা পৃষ্ঠা