79

قالت: أهي خسارة أم تخشى أن تسألك عنها صاحبتها؟ إنني لا أنافس الراقصات يا سيدي، فاحتفظ بالصورة كما تهوى، ولكن أرجوك أن ترد إلي صورتي، فلست أختار لها أن تقيم هنا وأمثال هذه الصور في مكان واحد.

فكبر الأمر على همام، وأحس لأول مرة أن فراق سارة يثقل عليه، فقال لها: إن كان لا يريحك إلا أن تمزقي الصورة فمزقيها ...

فما أمهلته أن يتم جملته حتى قبضت على الصورة تمزقها كل ممزق كأنها تضمر لصاحبتها ضغينة وهي لم ترها ولم تسمع باسمها، ولا يذكر همام أنه بصر بامرأة تفرح هذا الفرح بتمزيق ورقة إلا امرأة جاهلة أسلمها الساحر المشعوذ لفة من الورق زعم أنها هي الرقية التي كتبتها لها الضرائر ليبتلينها بالسقم في جسمها والنكد في عيشها، فمزقتها وكأنها تود أن يصير جسمها كله أيديا تشترك في تمزيقها.

وهكذا أخذت تحاسبه وأخذ يحاسبها، وشعر بالتضييق عليه، ولكنه لم يضجر منه ولم يتبرم بالباعث إليه، وأنشأ يتعود أن يفكر فيما تصنعه وفيمن تلقاه أثناء غيابها، ويتعود أن يسألها وأن يتحرى حركاتها ... وفرغ لها فوقع في روعه ألا يقنع منها بما دون الاستئثار والتفرد، وانقلب الجدول الهادئ المنساب رويدا رويدا فغاب فيه الحمل الوديع وبرز منه الأسد المتحفز، ولو ظل كما كان جدولا وديعا لصفا واسترسل، أو لانتهى كما ينتهي النهر إلى مصبه في رفق وسخاوة. •••

ذلك سبب من أسباب الهيام، وقلما يكون الهيام لسبب واحد.

ومن أسبابه الكثيرة لذة الاستكشاف الدائم المصحوب بالتجديد والتنويع؛ فإن الرجل ليسره أن يستكشف المرأة ويسره ألا يزال واجدا فيها كل حين ميدانا جديدا للاستكشاف، ويسره أن يراقب المرأة وهي تستكشفه وتتخذ لها مسربا إلى عواطفه، وترفع من دخائله حجابا وراء حجاب، ويسره أن يستكشفا الدنيا معا والناس معا والطبيعة معا بروح مركبة من روحين وجسد مؤلف من جسدين، وضياء كله شفوف وتجديد وآفاق تنساح إلى آفاق.

فإن وقف الاستكشاف ولم يتجدد من جانب الرجل ومن جانب المرأة فقد يكون سببا للسآمة والعزوف لا سببا للشغف والهيام.

إن المرأة في استكشافها الرجل لكمن يجوس خلال الغابة المرهوبة ليهتدي أولا وآخرا إلى موطن الرهبة منها ووسيلة الطمأنينة إلى تلك الرهبة، ثم يرتع في صيدها وثمرها ويشبع من مظاهر العظمة والفخامة فيها.

وإن الرجل في استكشافه المرأة لكمن يجوس خلال الروضة الأريضة ليهتدي إلى مجتمع الظل والراحة والمتعة والحلاوة بين ألفافها وثناياها؛ فهو يستكشفها ليعرف أحلى ما فيها وهي تستكشفه لتعرف أرهب ما فيه، ثم تصبح الروضة روضة وغابة، وتصبح الغابة غابة وروضة، ويقوم حواليهما سور واحد يشعران به إذا خرجا إلى الدنيا، ولا يشعران به وهما بنجوة منها.

وكان همام وسارة يتكاشفان كل يوم ولا يخفيان أنهما يتكاشفان، بل يتحدثان بما يعن من شأنها وشأنه كأنهما رحالتان في نزهة طويلة، يشتركان في مراجعة عمل النهار كلما سكنا إلى ظلال الخيمة في ظلام المساء.

অজানা পৃষ্ঠা