74

قال عفو الخاطر غير عامد لما يقول: هذا مذهب شوبنهور منقولا إلى المطبخ!

وأحس أنه أقحم شوبنهور في غير مقحم؛ أعلى المائدة ومع فتاة يدار ذكر الفيلسوف المتشائم عدو النساء؟!

وإنه ليهم بتوبيخ لسانه والتراجع إلى موضوع غير هذا الموضوع الذي أثاره، وإنه ليريد أن يأخذ عليها سبيل السؤال عن شوبنهور ومذهب شوبنهور إذا هي تلاحقة قائلة: نعم، القصير يطلب الطويلة، والأبيض يطلب السمراء، والبدين يطلب النحيفة، ومن يأكل جناح الدجاجة يطلب من لا تأكل الجناح ... هذا تطبيق صحيح لمذهب الفيلسوف.

فراعه تعقيبها وسرعة التفاتها إلى «محل الشاهد» - كما يقولون - أضعاف ما راعته نكاتها، ولمحت هي دهشته فاستطردت تقول: على رسلك، لا تخف ولا تعجل، فلست بحمد الله فيلسوفة، وما قرأت شوبنهور إلا لأن «أحدا» أرادني على قراءته، ولأن تفهيمه إياي كان ذريعة اللقاء بيننا، وما كان بالجائز أن يحضر إلي ليفهمني رواية أو مقالة ممتعة ... فلم يعد لنا بد من الفلسفة وأمرنا إلى الله! فأغرب همام في الضحك؛ لأنه تخيل شوبنهور العظيم بوجهه العبوس وعينيه الظريفتين تبرقان من الحرد والسخرية وهو يسمع بأذنيه كيف انتقمت منه امرأة وهزئت به، وسخرت فلسفته لغرامها.

وأثنى همام على صراحة سارة وقلة دعواها، واطمأن إلى سياق الفلاسفة والشعراء فقال: الآن آمنت مرة أخرى أن صديقي «هيني» خبير بالنساء في جده ومزاحه ...

قالت: ومن صديقك هذا هيني؟

قال: لا تتهيبي، فليس هو بفيلسوف مغلق، ولا هو بالكاتب الذي يحوجك إلى ترجمان أو مفسر، إن حلا لك أن تقرأيه وحدك فهو شاعر سلس سائغ، وما أحسب له نظيرا في الدعابة وخفة الروح.

قالت: أصحيح؟ وماذا قال عنا معشر النساء هذا الشاعر الظريف؟

قال: إنه ضجر من سيدة دعية لها عين واحدة تتطفل على الأدب، فكتب عنها يقول: كل امرأة تكتب فإنما تتجه عينيها إلى القرطاس وبالعين الثانية إلى رجل ... ما عدا فلانة طبعا ... فإن لها عينا واحدة كما يعلم القراء!

فراقتها غمزة الشاعر للمرأة الدعية، وقالت: أما من جهتي أنا فإني لأقر وأقسم بين يديك وبين يدي الله أن هيني لظريف وإنه لصادق، فما تقرأ المرأة إلا عن رجل أو بسبب رجل، وكل ما عدا ذلك كذب وادعاء.

অজানা পৃষ্ঠা