ولكن هل من الضروري لك أن تجني أنت أيضا على نفسك بيديك فتسلبيها حتى سلوة الألم الشريف وإباء الحرمان العفيف؟ وهل يبقى حرمان فوق حرمان المرأة التي لا تعرف السعادة ولا تعرف الألم الذي تحترمه هي ويحترمه الناس؟
أنا لا أيأس على الرغم من كل شيء ... بي من عطف عليك وعلم بحقيقة نفسك الضعيفة الطيبة و«ظروفك» السيئة ما يمنعني أن أنظر إليك نظرة قاسية.
وما تمنيت ولا أتمنى شيئا كما أتمنى أن أراك بعين الإعجاب والفخر والمحبة، ولكني أقول لك وأنا آسف: إن فقدك لم يكن هينا علي في وقت من الأوقات كما هو هين علي الآن، فإذا كتبت إليك هذه الكلمة فإنما هي كلمة صديق يريح ضميره وواجب أخير لا بد من أدائه، وإذا أبيت إلا أن تفهمي لها معنى من معاني الأنانية فافهمي إذن أنها كلمة إنسان يذكر برهة من حياته ويود أن يحتفظ بهذه الذكرى نظيفة شريفة إلى آخر أيام الحياة.
والوداع، والسلام.
الرقابة
لماذا كتب ذلك الخطاب؟
إنه لم يستوضح نفسه سببا لكتابة ذلك الخطاب وهو يفكر في كتابته، ولا استوضحها السبب وهو يكتبه ويسلمه إلى الرسول الذي تعود أن يسفر بينهما بالرسائل، ولكنه جلس بعد كتابته يسأل ويعجب: أي خاطر ذلك الخاطر الذي ورد على باله وهو يحسب أنه واصل إلى نتيجة ترضيه من كتابة هذه المواعظ؟ أيظن أن خطابا كهذا قد يثوب بها إلى الوفاء والإخلاص إن كانت تخون وتخدع؟ أيزعم ولو على سبيل الوهم البعيد أنها تتعظ وتندم لأنها تقرأ كلاما كهذا الكلام وتروي النظر في مصير كذلك المصير؟
آخر ما يطمع فيه العاقل أن يظفر بهذه النتيجة من امرأة يميل بها الهوى ويوسوس لها شيطان الخداع! فكيف بصاحبتنا التي يعرفها حق عرفانها ويعرف أن الكلام لا يستحق عندها الهزء والتحدي بمزية أفضل من مزية الوعظ والتذكير ... إنها تريد أن تثور وتجمح، ولا شيء أقمن بإشباع شهوة الثورة والجماح من مخاطبة الإنسان بكلام يصدر عن العقل ويلبس ثوب النصيحة والهداية! وإن الرجل من رجال الدين ليستحق عندها كل إكبار وتبجيل؛ لأنه يخالف في حياته الخاصة ما يعظ به الناس في حياته العامة، وقد خاضا في حديث بعض «الأئمة النساك» مرة فقال لها: لست على يقين أن مولانا هذا يحب السماء والآخرة، ولكني على يقين من حبه الأرض والدنيا ... ألا تعلمين ذلك؟ ... قالت: أعلم كل العلم، بل أعلم أنه يحب فلانة وفلانة وفلانة وفلانة ... غلطان أنت يا صديقي إن حسبت أنك تغض من «مولانا» بما اتهمته، إن خفاياه تلك لهي التي تعجبني وتكبره في نظري وتحملني على تقبيل يديه، وإنني ما سمعت عظاته يوما إلا استعظمت منه أنه قادر على مخالفتها، ثم راحت تقول مازحة - وكانت كلمة غلطان يا صديقي من لوازمها في الحديث: غلطان أنت يا صديقي إن حسبت أن المرأة تنقم على رجل الدين أنه يدع السماء من أجلها!
قال: وما رأيك في الراهبة التي تترك السماء من أجل رجل؟ ألها عندك مثل هذا المكان من الإعجاب؟
قالت: إن الراهبات لا يعظن أحدا، واللعبة تفقد كثيرا من بهجتها بهذا الدور البسيط الذي تمثله الراهبة الغاوية، وأعني به دور الوجه الوحيد!
অজানা পৃষ্ঠা