80

وكان يوري مولعا بالإلقاء يحسنه ويجيده فتقدم إلى المنضدة دون أن ينظر إلى أحد وشرع يتلو بقية المحاضرة بصوت عال متزن.

وسدد لحظه إلى سينا مرتين. والتقت عينه في كل منهما بعينها المتألقة الفصيحة فابتسم لها مسرورا مرتبكا ثم رجع إلى كتابه واستأنف القراءة بصوت أعلى وأقوى وكان كأنما يباشر عملا ليس أسمى منه ولا أمتع، ولما فرغ صفق له الجالسون في الصفوف الأولى فانحنى لهم يوري في أدب ووقار وانصرف عن المنضدة وهو يبتسم لسينا كأنما يريد أن يقول لها: «لقد فعلت هذا من أجلك.»

وتهامس الناس قليلا ثم تجاوبت الحجرة بضوضاء الكراسي لما دفعها الجالسون عليها إلى الوراء وهم ينهضون عنها.

وقدم يوري إلى سيدتين هنأتاه بحسن إلقائه.

ثم أطفئت المصابيح وعادت الغرفة مظلمة.

وقال شافروف وهو يهز كف يوري بحرارة: «أشكرك كثيرا. وبودي لو أن لنا دائما من يلقي مثلك.»

وكانت المحاضرة شغل شافروف فأكبر صنيع يوري وطوق نفسه بفضله كأنما كان أحسن إليه في أمر يخصه وإن كان كان قد جعل شكره باسم الشعب. وألح شافروف في ذكر «الشعب» وجعل يؤكد لفظه ويقول كأنما يودع يوري سرا خطيرا: «إنهم لا يصنعون هنا شيئا للشعب وإذا هم فعلوا فبدون اكتراث أو احتفال. وغريب أمرهم! يأتون بطائفة مختارة من خير الممثلين والمغنين والمحاضرين ليتلهى بهم المتطلبون من السادات. فأما الشعب ففي محاضر مثلي الكفاية. كل امرئ راض. فماذا يطلبون فوق هذا؟»

وافتر ثغره سرورا بتهكمه الرقيق.

فقالت دوبوفا: «هذا صحيح. والصحف تفرد أعمدة برمتها للممثلين ولأعمالهم العجيبة، إن هذا مثير حقا. أما هنا ...»

فقال شافروف باقتناع وهو يجمع أوراقه: «ولكن ما أصلح عملنا وأنفعه؟»

অজানা পৃষ্ঠা