45

فنالت منها هذه النظرة التي تعرف معناها واضطربت لها فصاحت: «فلنذهب. فلنذهب.»

وسرعان ما عدت بهم المركبة في الطريق المهجور بين السهوب، وكانت أغيصان التبت تنثني تحت العجلات ويهب النسيم على رءوس أخواتها فتموج وتترنح. ولما جاوزوا البلدة أدركوا مركبة أخرى تقل لياليا ويوري وريازانتزيف ونوفيكوف وإيفانوف وسمينوف متكدسين متزاحمين وإن كانوا على هذا جذلين مبتهجين، إلا يوري، فقد حيره سلوك سمينوف بعد حديث البارحة ولم يستطع أن يفهم كيف يتهيأ له أن يضحك ويمرح كغيره واستغرب منه هذا المرح بعد الذي سمعه وجعل يسأل نفسه: «هل كل هذا تصنع؟» ويسارقه النظر إلا أنه أحجم عن هذا التفسير لما يبدو له من حال سمينوف.

وتبادلت المركبتان الفكاهة والدعابة، ووثب نوفيكوف عن مقعده إلى الأرض وراح يسابق ليدا على الحشائش وكأنهما آليا أن يتظاهرا بأنهما خير الأصدقاء فقد جعلا يتداعبان طول الوقت.

وقاربوا التل القائم على ذروته الدير بقبابه اللامعة وجدرانه البيضاء، وعلى التل غابات تخال أطراف بلوطها من الصوف، وإلى سفحه جزائر يتدفق حولها، النهر وفيها أشجار البلوط قائمة.

ومالت الخيل عن الطريق إلى الأرض اللينة وجعلت العجلات تحفر فيها أخاديد عميقة وسطع الأنوف من الأرض والأوراق الخضراء عرف ذكي.

وكان ينتظرهم في الموعد المضروب على المرج طالب وفتاتان في ثياب «الروسيا الفتاة» وكانوا جالسين على بساط الروض، وإذا كانوا أسبق من سواهم فقد اشتغلوا بإعداد الشاي والمرطبات الخفيفة.

ووقفت المركبة وجعلت الخيل تنفخ وتذود الذباب بذيولها ووثب كل من فيها عنها، وقد أنعشهم الركوب وهواء الريف النقي، وطفقت لياليا تقبل الفتاتين اللتين تعدان الشاي قبلات رنانة، وقدمتهما إلى أخيها وإلى سانين فجعلتا تتأملانه في خجل.

وأدركت ليدا أن الرجلين لا يعرف أحدهما الآخر، فقالت ليوري: «اسمح لي أن أقدم إليك أخي سانين فلاديمير.»

فابتسم سانين وصافحه.

ولكن يوري لم يكد يلتفت إليه.

অজানা পৃষ্ঠা