أشاح الثاني بيديه في عصبية وانزعاج وقال بحدة: أي جواز سفر أزرق، وأي هراء تتحدث عنه؟! إنك لا تفهم شيئا بالمرة، ولكن ليس هذا الوقت المناسب للجدال، سأشرح لك باختصار؛ أنا في كل الأحوال مجرد مهاجر شرق أوسطي، مغترب، والغربة تقتل روحك يا ياسين؛ يمر عمرك أمام عينيك بينما تتفرج عليه، ولن يفيدك كثيرا أن تفعل ذلك وأنت مضطجع أمام جهاز تليفزيون ذكي متصل بالإنترنت فائق السرعة داخل منزل أنيق في العالم الأول! ثم إنه ربما علي أنا أن أسألك؛ ألا ترى أن إجابة هذا السؤال بسيطة للغاية من وجهة نظري كذلك؟ ألم تتزوج أنت فريدة؟ ألا يكفيك هذا؟!
أنهى جملته وهو ينظر في عين الآخر ببعض التحدي كأنما كسب نقطة في تلك المناظرة، أطرق الآخر لبرهة ولاح في عينيه حزن عميق ثم أجاب بلهجة مكسورة: تحدثني عن فريدة؟! ألا يمكنك أن ترى أن زواجي بها قد فشل؟ ألم تلاحظ أننا منفصلان؟!
أجاب الثاني وقد تبدلت نبرته إلى التعاطف: لم تقل لي بالمناسبة، لماذا انفصلتما؟
رفع الأول كتفيه وأجاب بهدوء: ليس ثمة سبب محدد، لقد ظلت المسافة بيننا تبتعد بالتدريج دون أن نشعر، حتى وصلت الحياة بيننا لطريق مسدود، لم نستطع الاستمرار وحسب، كلانا لم يستطع الاستمرار.
قاطعه الثاني بلهجة استنكار: لكنها كانت حب عمرك!
أجاب الأول بسرعة: ولم تزل حب عمري! لم أحب قبلها ولا بعدها.
واصل الثاني بلهجته المستنكرة: لكن الحب كفيل بحل أي مشكلة.
أجاب الأول بنبرة صوت منخفضة تحمل بعض الأسى: لقد ساعدنا الحب على أن نحتفظ باحترام كل منا للآخر حتى الآن، جعلنا الحب ننفصل بهدوء وبشكل متحضر دون أن نتسبب في الإضرار بأطفالنا، لكن الاستمرار في الحياة الزوجية شيء مختلف، أتفهم؟
أطرق الثاني وهو يشيح ببصره بعيدا وقال متمتما: نعم، أفهم ... أفهم.
مضت فترة صمت لم يشعر أيهما بطولها حتى قطعها الأول متسائلا في لهجة تحمل بعض الاستخفاف : إذن فأنت تريد أن تقنعني بأنك لست مرتاحا في كندا؟ لكن، ألم تحقق حلمك؟ ألم تجد هناك ما كنت تبحث عنه؟ ألم تجد هناك الحرية والديمقراطية والعدالة وتكافؤ الفرص وكل تلك المستحيلات التي لا نعرف هنا عنها شيئا؟
অজানা পৃষ্ঠা