وبقوله: { نصفه } بعده ما بين نصفه إلى أقله، وتأويل: { قم الليل } إنما هو :في أي الليل شيت، فإنك لم تنه عن الصلاة إلا في أقله كما نهيت، كما يقول القائل: قم ظهرا، وإنما يريد عند الظهر، وقم لحاجتنا فجرا، وإنما يريد عند الفجر، ألا ترى كيف يقول سبحانه: { نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه }. يقول سبحانه: نصفه أو انقص منه، وهو ما قبل النصف، { أو زد عليه }. وهو ما بعد النصف، فبين هذا الأوقات كلها، وكذلك قال في تبيينها، لرسوله، صلى الله عليه وآله :{ إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه، وطائفة من الذين معك }. وإنما أدنى من ثلثي الليل عند نصفه وعند ثلثه. كما [ لو ] قال قائل - سوى الله لا شريك له - لمن يريد أن يأمره ويستعمله: قم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه. كان إنما يريد قم عندما أمرتك بالقيام عنده في وقته، ولا يريد أن يقوم ثلثه قائما على رجليه. وكما [لو] يقول قائل العامل من العمال، أو أمره في نهاره بعمل من الأعمال: اعمل كذا وكذا نهارا. فعمل ذلك في أي وقت شاء من نهاره، لكان قد أدى إلى من أمره ما يجب عليه من ائتماره، غير مقصر فيما [أمر] به من العمل ولا مفرط، ولا مستوجب في تقديم ولا تأخير فيما أمر به لسخط، بل هو مؤتمر بما أمر وألزم، محافظ فيما أمر به على ما قيل وأعلم. فهذا عندنا وجه التأويل، وفيما فهمنا عن الكتاب في التنزيل، لا ما يقول به - والحمد لله - من لم يفهم فيه ما فهمنا عن الله، من الاختلاف الكثيرة فأنتبه القليلة، والله المستعان بنوره وتبيينه، من أن رب العالمين، فرض مثل الصلاة الخمس على المؤمنين، أن يصلوا الليل كله، إلا - زعموا - أقله. فمنهم من زعم: أنه إنما فرض عليهم ثلثه، ومنهم من قال: نصفه، ومنهم من قال: ثلثيه، جهلا بحق الله ومخالفة للعلم وإدعاء عليه.
{ وناشئة الليل }. فهي: الليل كله، وهي آخر الليل وأوله، فكان هذا على ما قلنا أيضا دليلا، لقول الله سبحانه :{ إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا }. ودل أن صلاة الليل قراءة مجهور بها، يقول:{ ورتل القرآن ترتيلا }. والترتيل، فهو: الجهر والتنفيل، فأما هذ القرآن فيها ونثره، فإنا لا نأمر به ولا نستحسنه، لما ذكرنا من قول الله سبحانه. وقول رسوله، صلى الله عليه وعلى آله: ( لا تنثروا القراءة نثر الدقل ). فنحن لا نأمره بذلك في فريضة ولا تنفل.
والدليل على ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أن هذه الصلوات في الليل فرض لا نافلة، وأنها فريضة من الله واجبة لازمة، قوله سبحانه:{ والله يقدر الليل والنهار، علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرأوا ما تيسر من القرآن، علم أن سيكون منكم مرضى، وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله، وآخرون يقاتلون في سبيل الله، فاقرأوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } [المزمل: 20]. فدل قوله سبحانه أقيموا الصلاة، وتوكيده فيها - جل ثناؤه - القراة، على أن ذلك فرض لا نافلة، وأن ما أمر الله فيها فريضة لازمة، إذ لم يذكرها عن رسوله تنفلا، ولا منه صلوات الله عليه تطوعا، ولا زيادة على ما يجب ويحق فرضا من الصلاة عليه، كما ذكر النافلة وما جعل له بها وفيها من القربة إليه، فقال سبحانه: { ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } [الإسراء: 79]. فجعل تبارك وتعالى بين أمره بالفريضة والنافلة والإباحة فصولا بينة وحدودا.
فإن قال قائل فأين الأمر بالإباحة، التي قلتم والفصل بين الأمور الثلاثة ؟
قيل له: قول الله تبارك وتعالى:{ وإذا حللتم فاصطادوا } [المائدة: 2]. فهذا هو الإباحة والتوسعة، لا من الفرائض والنوافل المتطوعة.
পৃষ্ঠা ৪৫৯