وقالوا: إنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( من أدرك ركعة من العصر قبل غروب الشمس فقد أدرك العصر، ومن أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الفجر )، مع إجماعهم على: ( الجمع بين الظهر والعصر عند زوال الشمس بعرفة )، وإجماعهم على الجمع بين المغرب والعشاء متى شاءوا بالمزدلفة، مع أن قول أكثرهم أن من طهر من النساء من طمث أو نفاس قبل غروب الشمس بقدر صلاة خمس ركعات، صلت الظهر والعصر فلم أمروها بذلك إن لم يكن ذلك وقتا من الأوقات، إلا أن يلزموها لو طهرت بعد سنة ما فاتها من الصلوات، وكذلك يقولون فيما يلزمونها إن طهرت قبل الفجر، من صلاة المغرب والعشاء ما ألزموها من صلاة الظهر والعصر، مع ما ذكر عن ابن عباس، وغيره من علماء الناس، من أنهم كانوا يقولون: النهار كله وقت لصلاة النهار والليل كله وقت لصلاة الليل، وفي هذا على بيان ما قلنا ما لا يجهل من عقل من البرهان والدليل، مع ما ذكروا أيضا عن الرسول صلى الله عليه، فيما قلنا به من الأوقات وذهبنا إليه، من أنه: ( أخر عليه السلام ليلة من الليالي العتمة حتى ذهب من الليل نصفه أو أكثر، ثم خرج وقد ذهب أكثر الليل وأدبر، فقال ما أحد ينتظر هذه الصلاة في هذا الوقت غيركم، فصلاها في تلك الساعة بهم). ( وأن الشمس غربت وهو بسرف من طريق مكة فأخر صلاة المغرب والعتمة حتى صلاها ببطن الأبطح ). وبين سرف وبين الأبطح أميال عشرة. فكفى بهذا وغيره، وما ذكر بعض أصحاب أبي جعفر محمد بن علي أنه كان عنده يوما فزالت الشمس فقام من ساعته فصلى الظهر والعصر، ثم رآه في يوم من الأيام آخر، أخرها حتى قيل قد غابت الشمس عن سافل أحد وهو جبل مطل على المدينة، إذا غابت الشمس عن أعلاه غابت منها عن كل ناحية عالية أو باطنة، مع أن هذا ومثله فما لا نحصيه، ولا نأتي - وإن جهدنا بإحصاء - عليه، فنحمد الله كثيرا على ما من به من هذا، لمن قبل الهدى عنه وآتاه، ونستغفره لذنوبنا، ونستتره لعيوبنا، ونعوذ به من شرور أنفسنا وغيرنا، ونسأله لهداه حسن تيسيرنا، وحسبنا الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.
ومن دلائل ما قلنا به في وقت صلاة الليل، ما دلنا الله سبحانه في سورة المزمل على ذلك من الدليل، قال تبارك وتعالى لرسوله، صلى الله عليه و[على]أهله :{ يا أيها المزمل، قم الليل إلا قليلا، نصفه أو انقص منه قليلا، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا، إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا، إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا، إن لك في النهار سبحا طويلا، واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا } [المزمل: 1 - 8].
فدل سبحانه فيما نزل من هذه الآيات، على ما قلنا به من الأوقات، فيما فرض في الليل من الصلوات.
ودل على ما يجب في الصلاة، من الذكر والتسبيح والقرآة، فلا يكون أبدا المزمل إلا مضطجعا أو نائما، ولا يصلح أن يكون أبدا قاعدا ولا قائما.
والتزمل هو الاستغشاء والتدثر، والاضطجاع والنوم، وقد يكون في أحدهما المتدثر الذي يتزمل ويتدثر، ولا يكون أبدا إلا أول الليل وآخره، فجعل ذلك سبحانه كله وقتا لقيامه ولتأخره، فيه بصلاته واستيفائه إلا الأقل وهو ما اشتبه منه، فلم يتبينه من يريد أن يتبينه، فندري أفي الفجر هو أو في الليل، فليس لأحد أن يؤخر صلاة ليله إلى مثل ذلك الوقت من التأخير، لأنه ليس له أن يصلي إلا في وقت بيقين، وهو ما وضع الله في الوقت من التبيين، وليس يوجد أبدا وإن جهد وقت صلاة الليل ويبين، حتى يدركه العلم البت واليقين، إلا سواد الليل وظلمته، ولذلك ما جعله الله وقتا لهما برحمته. وقال سبحانه لرسوله، صلى الله عليه وآله، : قمه كله، إلا أقله. فنهاه عن القيام في قليله، وهو ما قلنا فيه بتفصيله، عندنا مما الله به أعلم، وما فهمنا فيه الفهم، لا يفهم فيه غيره، ولا نجد تفسيرا إلا تفسيره.
পৃষ্ঠা ৪৫৭