Salat al-Khawf
صلاة الخوف
প্রকাশক
مطبعة سفير
প্রকাশনার স্থান
الرياض
জনগুলি
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
٣٥
_
صلاة الخوف
مفهوم، وسماحة، وأنواع، وكيفية، وأحكام
في ضوء الكتاب والسنة
অজানা পৃষ্ঠা
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد.
فهذه رسالة مختصرة في «صلاة الخوف» بيّنت فيها: مفهوم صلاة الخوف، وسماحة الإسلام ويسر الشريعة ومحاسنها مع الكمال ورفع الحرج، وأن الأصل في مشروعية صلاة الخوف: الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة ﵃، وأوضحت أنواع صلاة الخوف، وأنها كلها مشروعة يختار المسلمون الصفة التي يحتاجون إليها، وبيّنت أن صلاة الخوف في الحضر تُؤدّى بدون قصرٍ لعددها، وذكرت صلاة الخوف حال المسايفة والتحام
1 / 3
الحرب، وذكرت أقوال العلماء في ذلك.
وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز قدس الله روحه، ونوَّر ضريحه، ورفع درجاته في جنات النعيم.
والله أسأل أن يجعل هذا العمل مقبولًا عنده، مباركًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه تعالى خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
حرر بعد عصر يوم الأربعاء الموافق ١٧/ ١/١٤٢٢هـ.
1 / 4
أولًا: مفهوم صلاة الخوف: الصلاة: لغة الدعاء، واصطلاحًا: عبادة لله ذات أقوال وأفعال معلومة، مخصوصة، مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، وسميت صلاة لاشتمالها على: دعاء العبادة، ودعاء المسألة (١).
والخوف لغة: الفزع والذُّعر، قال ابن فارس ﵀: «الخاء، والواو، والفاء أصل واحد يدل على الذُّعر والفزع، يقال: خفت الشيء خوفًا، وخيفة ..» (٢) مصدر خاف.
واصطلاحًا: اضطراب في النفس؛ لتوقع نزول مكروه، أو فوات محبوب، ومنه إخافة السبيل (٣).
قال الإمام الحافظ المعروف بابن الملقن ﵀: «والخوف غمٌّ على ما سيكون، والحزن غمٌّ على ما مضى» (٤).
_________
(١) انظر: لسان العرب، لابن منظور، باب الياء، فصل الصاد، ١٤/ ٤٦٥، والمغني لابن قدامة، ٣/ ٥، وتقدم التفصيل في مفهوم الصلاة في منزلة الصلاة في الإسلام.
(٢) معجم المقاييس في اللغة؛ لابن فارس، كتاب الخاء، باب الخاء والواو، وما يثلثهما، ص٣٣٦.
(٣) معجم لغة الفقهاء، للأستاذ الدكتور محمد رواس، ص١٨٠.
(٤) الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، ٤/ ٢٨١، ٣٤٩.
1 / 5
ثانيًا: سماحة الإسلام ويسر الشريعة ومحاسنها مع الكمال ورفع الحرج، لا شك أن دين الإسلام: دين الرحمة، والبركة، والإحسان، والحكمة، ودين فطرة، ودين العقل، والصلاح، والفلاح، والشرع الإسلامي لا يأتي بما تحيله العقول، ولا بما ينقضه العلم الصحيح، وهذا من أكبر الأدلة على أن ما عند الله ﷿ محكم ثابت، صالح لكل زمان ومكان (١).
وقد دلت الأدلة من القرآن العظيم، والسنة النبوية الشريفة على يسر الشريعة الإسلامية وسماحتها، وعلى رفع الحرج، ومن هذه الأدلة ما يأتي:
أ - من القرآن الكريم آيات كثيرة وهي على نوعين:
النوع الأول: الآيات الكريمة التي تنص على نفي الحرج، ومنها:
١ - قال الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ
_________
(١) انظر: الدرة المختصرة في محاسن الدين الإسلامي، للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص١٧، ١٩، ٣٩.
1 / 6
حَرَجٍ﴾ (١)، أي لم يجعل عليكم في الدين مشقةً، وعسرًا، بل يسره غاية التيسير، وسهّله غاية السهولة، فلم يُلزم إلا بما هو سهل على النفوس: لا يُثقلها، ثم إذا عرض بعض الأسباب الموجبة للتخفيف خفَّف ﷾ ما أمر به: إما بإسقاطه، أو إسقاط بعضه، ويؤخذ من هذه الآية قاعدة شرعية: وهي أن المشقة تجلب التيسير، والضرورات تبيح المحظورات، فيدخل في ذلك من الأحكام الفرعية شيء كثير معروف في كتب الأحكام (٢).
٢ - قال الله ﷿: ﴿مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (٣) لم يجعل الله ﷾ علينا فيما شرع لنا من حرج، ولا مشقة، ولا عسر، وإنما هو رحمة منه بعباده (٤).
٣ - قال تعالى: ﴿لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى
_________
(١) سورة الحج، الآية: ٧٨.
(٢) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ص٥٤٧.
(٣) سورة المائدة، الآية: ٦.
(٤) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير المنان، للسعدي، ص٢٢٤.
1 / 7
وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لله وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَالله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (١)، وهذه الآية أصل في سقوط التكاليف عن العاجز، فكل من عجز عن شيء سقط عنه، فتارة إلى بدل هو فعل، وتارة إلى عزم هو غرم، ولا فرق بين العجز من جهة المال، والعجز من جهة القوة (٢)،ويستدل بهذه الآية على قاعدة وهي: أن من أحسن إلى غيره في نفسه أو في ماله، ونحو ذلك، ثم ترتب على إحسانه نقص أو تلف أنه غير ضامن، ولا سبيل على المحسنين، كما أنه يدل على أن غير المحسن وهو السيئ: كالمفرط والمتعدي أن عليه الضمان (٣).
٤ - قال الله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ (٤)، فأصل الأوامر
_________
(١) سورة التوبة، الآية: ٩١، وانظر: سورة النور: ٦١، وسورة الأحزاب: ٣٧ - ٣٨، وسورة الفتح: ١٧.
(٢) انظر: رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، للدكتور صالح بن حميد، ص٦١.
(٣) انظر: تيسير الكريم الرحمن، للسعدي، ص٣٤٨.
(٤) سورة البقرة، الآية: ٢٨٦، والأعراف: ٤٢، والمؤمنون: ٥٧ - ٦٢، والبقرة: ٣٣، والطلاق: ٧١، والأنعام: ١٥٢.
1 / 8
والنواهي ليست الأمور التي تشق على النفوس، بل هي غذاء للأرواح، ودواء للأبدان، وحمية عن الضرر، فالله أمر العباد بما أمرهم به رحمة وإحسانًا، ومع هذا إذا حصل بعض الأعذار التي هي مظنة المشقة حصل التخفيف والتسهيل، إما بإسقاطه عن المكلف أو إسقاط بعضه، كما في التخفيف عن المريض، والمسافر، والخائف، وغيرهم (١) وغير ذلك من الآيات.
النوع الثاني: الآيات التي تدل على التيسير والتخفيف، ومنها:
١ - قال الله ﷿: ﴿يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ (٢) أي يريد الله تعالى أن ييسِّر عليكم الطرق الموصلة إلى رضوانه أعظم تيسير، ويسهِّلها أبلغ تسهيل؛ ولهذا كان جميع ما أمر به عباده في غاية السهولة في أصله، وإذا حصلت بعض العوارض الموجبة لثقله سهَّله تسهيلًا آخر: إما بإسقاطه، أو تخفيفه بأنواع التخفيفات،
_________
(١) انظر: تيسير الكريم الرحمن، للسعدي، ص١٢٠.
(٢) سورة البقرة، الآية: ١٨٥.
1 / 9
وهذه جملة لا يمكن تفصيلها؛ لأن تفاصيلها جميع الشرعيات، ويدخل فيها جميع الرخص والتخفيفات (١).
٢ - قال ﵎: ﴿يُرِيدُ الله أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾ (٢) أي بسهولة ما أمركم به وما نهاكم عنه، ثم مع حصول المشقة في بعض الشرائع أباح لكم ما تقتضيه حاجاتكم، وذلك لرحمته التامة، وإحسانه الشامل، وعلمه، وحكمته بضعف الإنسان من جميع الوجوه: ضعف البنية، وضعف الإرادة، وضعف العزيمة، وضعف الإيمان، وضعف الصبر، فناسب ذلك أن يخفف الله عنه ما يَضْعُف عنه، وما لا يطيقه إيمانه وصبره وقوته (٣).
٣ - قال تعالى: ﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى﴾ (٤) وهذه بشارة كبيرة أن الله ﷿ ييسِّر رسوله ﷺ لليسرى في جميع أموره،
_________
(١) انظر: تيسير الكريم الرحمن، للسعدي، ص٨٧.
(٢) سورة النساء، الآية: ٢٨.
(٣) انظر: تيسير الكريم الرحمن، للسعدي، ص١٧٥.
(٤) سورة الأعلى، الآية: ٨.
1 / 10
ويجعل شرعه ودينه يسرًا (١).
٤ - قال ﷿: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ (٢) هذه بشارة عظيمة أنه كل ما وُجد عسر وصعوبة فإن اليسر يقارنه، حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر فأخرجه، كما قال الله تعالى: ﴿سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ (٣) وتعريف «العسر» في الآيتين يدل أنه واحد، وتنكير «اليسر» يدل على تكراره، فلن يغلب عسرٌ يسرين، وفي تعريف العسر بالألف واللام الدالة على استغراق العموم يدل على أن كل عسر وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ فإن في آخره التيسير ملازم له (٤).
ب - الأدلة من السنة على اليسر والسماحة والسهولة كثيرة منها:
_________
(١) انظر: تيسير الكريم الرحمن، ص٩٢١.
(٢) سورة الشرح، الآيتان: ٥ - ٦.
(٣) سورة الطلاق، الآية: ٧.
(٤) انظر: تيسير الكريم الرحمن، ص ٩٢٩.
1 / 11
١ - عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «إن الدين يسر، ولن يشادَّ الدين أحدٌّ إلا غلبه (١)، فسددوا، وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا: بالغدوة، والروحة، وشيء من الدُّلجة (٢) [القصد القصد (٣) تبلغوا»] (٤).
_________
(١) ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه: المعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيُغلَب، وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة؛ فإنه من الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال، أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل، أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في الجماعة، أو إلى أن خرج الوقت المختار، أو إلى أن خرجت الشمس فخرج وقت الفريضة. فتح الباري للحافظ ابن حجر، ١/ ٩٤.
(٢) الغدوة: أول النهار، والروحة: آخر النهار بعد الزوال، والدلجة السير آخر الليل، وقيل: سير الليل كله، وهذه الأوقات أطيب أوقات المسافر، وكأنه ﷺ خاطب مسافرًا إلى مقصد، فنبهه على أوقات نشاطه؛ لأن المسافر إذا سافر الليل والنهار جميعًا عجز وانقطع، وإذا تحرى السير في هذه الأوقات المنشطة أمكنه المداومة من غير مشقة، وحسن هذه الاستعارة أن الدنيا في الحقيقة دار نقلة إلى الآخرة، وأن هذه الأوقات بخصوصها أروح ما يكون فيها البدن للعبادة. فتح الباري لابن حجر، ١/ ٩٥.
(٣) القصد، القصد: بالنصب فيهما الإغراء، والقصد: الأخذ بالأمر الأوسط، فالأولى للعبد أن لا يجهد نفسه بحيث يعجز عن العمل وينقطع، بل يعمل بتلطف وتدرج ليدوم عمله ولا ينقطع. فتح الباري للحافظ ابن حجر، ١/ ٩٥.
(٤) البخاري، كتاب الإيمان، باب الدين يسر، برقم ٣٩، وما بين المعقوفين من كتاب الرقاق، باب: كيف كان عيش النبي ﷺ وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، برقم ٦٤٦٣.
1 / 12
٢ - قال الإمام البخاري ﵀: بابٌ: الدين يسرٌ، وقول النبي ﷺ: «أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة» (١)، والمقصود أن أحب خصال الدين الحنيفية، وخصال الدين كلها محبوبة، لكن ما كان منها سمحًا - أي سهلًا - فهو أحب إلى الله تعالى، والحنيفية: ملة إبراهيم، والحنيف في اللغة ما كان على ملة إبراهيم، وسمي إبراهيم حنيفًا؛ لميله عن الباطل إلى الحق؛ لأن أصل الحنف الميل، والسمحة: السهلة: أي إنها مبنية على السهولة (٢).
٣ - وعن أسامة بن شريك ﵁ قال: شهدتُ الأعراب
_________
(١) البخاري، كتاب الإيمان، باب: الدين يسر، قبل الحديث رقم ٣٩، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، ١/ ٩٤: «وهذا الحديث المعلق لم يسنده المؤلف في هذا الكتاب (يعني صحيح البخاري) لأنه ليس على شرطه، نعم وصله في كتاب الأدب المفرد [رقم ٢٨٧، وكذا وصله أحمد بن حنبل برقم ٢١٠٧] وغيره، بإسناد حسن، فتح الباري،
١/ ٩٤، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الأدب المفرد، ص١٢٢، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم ٨٨١،وانظر: أيضًا سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم ١٦٣٥.
(٢) انظر: فتح الباري، لابن حجر، ١/ ٩٤.
1 / 13
يسألون النبي ﷺ: أعلينا حرج في كذا؟ أعلينا حرج في كذا؟ فقال لهم: «عباد الله وضع الله الحرج إلا من اقترض من عرض أخيه شيئًا فذلك الذي حرج» (١)، فقالوا:
يا رسول الله، هل علينا جناح أن نتداوى؟ قال: «تداووا عباد الله، فإن الله سبحانه لم يضع داءً إلا وضع معه شفاء، إلا الهرم» قالوا: يا رسول الله، ما خير ما أُعطي العبد؟ قال: «خلق حسن» (٢).
٤ - وعن أنس ﵁ أن النبي ﷺ قال: «يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا» (٣).
٥ - وعن أبي موسى الأشعري ﵁ أن النبي ﷺ بعثه ومعاذ بن جبل إلى اليمن فقال: «يسِّرا ولا تُعسِّرا، وبشِّرا
_________
(١) فذلك الذي حرج: أي الذي حُرم.
(٢) ابن ماجه بلفظه، في كتاب الطب، باب ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء، برقم ٤٣٣٦، وأحمد، ٤/ ٢٧٨، والحاكم، ٤/ ١٩٨، وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، ٣/ ١٥٨، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم ٤٣٣.
(٣) متفق عليه: البخاري، كتاب العلم، باب ما كان النبي ﷺ يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا، برقم ٦٩، ومسلم، كتاب الجهاد، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير، برقم ١٧٣٤.
1 / 14
ولا تُنفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا» (١).
قال الإمام النووي ﵀: «إنما جمع هذه الألفاظ بين الشيء وضده؛ لأنه قد يفعلهما في وقتين، فلو اقتصر على «يسِّروا» لصدق ذلك على من يسر مرة أو مرات وعسر في معظم الحالات، فإذا قال «ولا تُعسِّروا» انتفى التعسير في جميع الأحوال من جميع وجوهه وهذا هو المطلوب، وكذلك يقال في «يسِّرا ولا تُعسِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا» (٢). وغير ذلك من السنة كثير (٣).
ج - منهج الصحابة ﵃ ومن تبعهم بإحسان: اتباع اليُسر والسماحة، والصحابة ﵃ هم الذين يطبقون الكتاب والسنة، وقد جاء عنهم أخبار كثيرة طبقوا فيها الإسلام كما جاء، وعملوا بالتيسير وتركوا التعسير؛ وذلك لفهم الكتاب والسنة، وعدم التنطع في الدين؛
_________
(١) مسلم، كتاب الجهاد، باب الأمر بالتيسير وترك التنفير، برقم ١٧٣٣.
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم، ١١/ ٢٨٤.
(٣) انظر: رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، للدكتور صالح بن عبد الله بن حميد، ص٧٥ - ٨٦، فقد ذكر ثلاثين دليلًا من السنة على رفع الحرج.
1 / 15
ولهذا جاء عن ابن مسعود ﵁ أنه قال: «من كان منكم مستنًّا فليستنَّ بمن قد مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد؛ فإنهم كانوا أبرَّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلَّها تكلُّفًا، وأقومَها هديًا، اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه، [ولإقامة دينه] فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم» (١).
وما تقدم من أدلة الكتاب والسنة، وهدي الصحابة يدل على رفع الحرج عن الأمة، وأن الإسلام دين اليسر والسماحة (٢).
ثالثًا: الأصل في مشروعية صلاة الخوف: الكتاب والسنة، والإجماع:
_________
(١) جاء هذا الأثر في عدة روايات، أخرجها ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، ٢/ ٩٤٦، برقم ١٨٠٧، ١٨١٠، وانظر: إغاثة اللهفان لابن القيم، ١/ ١٥٩، ومجمع الزوائد للهيثمي، ١/ ١٨١.
(٢) انظر: رفع الحرج، لابن حميد، ص٨٧، ورفع الحرج في الشريعة الإسلامية دراسة أصولية تأصيلية للدكتور يعقوب عبد الوهاب، ص٦٨.
1 / 16
١ - أما الكتاب؛ فلقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ الله أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا﴾ (١).
٢ - وأما السنة، فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة أن النبي ﷺ صلى بأصحابه صلاة الخوف مرات متعددة على صفات متنوعة (٢).
٣ - وأما الإجماع، فأجمع الصحابة على فعلها، فكان
_________
(١) سورة النساء، الآية: ١٠٢.
(٢) انظر: المغني لابن قدامة، ٣/ ٢٩٦، والشرح الكبير لابن قدامة المطبوع مع المقنع والإنصاف، ٥/ ١١٤.
1 / 17
الصحابة في الخوف يصلون صلاة الخوف، جاء ذلك عن علي ﵁ ليلة صِفِّين، وجاء عن أبي هريرة، وأبي موسى الأشعري، وعن سعيد بن العاص، وحذيفة ﵃ (١) ولا ينظر إلى الأقوال الشاذة التي تخالف ذلك (٢).
رابعًا: أنواع صلاة الخوف: جاءت صلاة الخوف في
_________
(١) انظر: المغني، ٣/ ٢٩٧، والشرح الكبير، ٥/ ١١٤، وحاشية ابن قاسم على الروض المربع، ٢/ ٤١١، وتيسير العلام شرح عمدة الأحكام، للبسام، ١/ ٣٤٨، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لابن الملقن، ٤/ ٣٥٠، والشرح الكبير المطبوع مع المقنع والإنصاف، ٥/ ١١٥.
(٢) كقول من يقول: إن صلاة الخوف مختصة بالنبي ﷺ، وبمن صلى معه وذهبت بوفاته، وهذا يذكر عن أبي يوسف، وقوله لا حجة فيه؛ لأن الله قد أمر باتباع النبي ﷺ والتأسي به ويلزمنا ذلك مطلقًا حتى يدل الدليل على الخصوص؛ ولأن النبي ﷺ قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» البخاري برقم ٦٠٠٨، ومسلم برقم ٦٧٤؛ ولأن الصحابة ﵃ لم يقولوا بالخصوص، وادعى المزني: نسخ صلاة الخوف؛ لأنها لم تفعل يوم الخندق، والجواب: أنها لم تشرع حينذاك وإنما شرعت بعد ذلك. وانفرد مالك فقال: لا يجوز فعلها في الحضر، وقد ذكر الإمام القرطبي في المفهم أنه صلاها ببطن نخل على باب المدينة، ومن العلماء من رأى أن الصلاة تؤخر إلى وقت الأمن ولا تصلى في حال الخوف، كما فعل النبي ﷺ يوم الخندق، والجواب: أن فعله ﷺ كان قبل نزول صلاة الخوف بالإجماع. انظر: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام لابن الملقن،
٤/ ٣٥٠ - ٣٥١، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، ٢/ ٤٦٩ - ٤٧٤، وشرح النووي على صحيح مسلم، ٦/ ٣٧٢ - ٣٧٨.
1 / 18
أحاديث كثيرة، وأشكال متباينة (١)، والصواب أن كل صفة ثبتت عن النبي ﷺ جائزة حسب مواطنها، يتحرَّى المسلمون فيها ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة، فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى، ومن هذه الأنواع الثابتة في الأحاديث الصفات الآتية:
_________
(١) جاءت صلاة الخوف عن النبي ﷺ على أنواع مختلفة، ذكر الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم أنها جاءت في أحاديث يبلغ مجموعها ستة عشر نوعًا، وهي مفصلة في صحيح مسلم، وبعضها في سنن أبي داود، واختار الشافعي منها ثلاثة أنواع: بطن نخل، وذات الرقاع، وعسفان. شرح النووي، ٦/ ٣٧٥، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام، ٤/ ٣٥١. وذكر الحاكم في مستدركه، ١/ ٣٣٥، ٣٣٨، ثمانية أنواع منها. وصحح ابن حزم في صفتها عن رسول الله ﷺ أربعة عشر نوعًا [المحلى،
٥/ ٣٣، ٤٢، وابن خزيمة، ٢/ ٢٩٣، ٣٠٧، وذكر القرطبي في المفهم عشرة أحاديث منها وتكلم عليها. المفهم، ٢/ ٤٦٨ - ٤٧٦، قال أبو داود: جميع ما روي عن النبي ﷺ في صلاة الخوف جائز، لا نرجح بعضه على بعض، وقال الإمام أحمد: ما أعلم في هذا الباب إلا حديثًا صحيحًا، واختار حديث سهل بن أبي حثمة. الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لابن الملقن، ٤/ ٣٥٢، وانظر: المغني، لابن قدامة، ٣/ ٣١١ - ٣١٤، وقال الإمام ابن القيم بعد أن ذكر ست صفات من أنواع صلاة الخوف، وقد روي عنه ﷺ صفات أخرى ترجع كلها إلى هذه، وهذه أصولها، وربما اختلف بعض ألفاظها، وقد ذكر بعضهم عشر صفات، وذكرها أبو محمد بن حزم نحو خمس عشرة صفة، والصحيح ما ذكرناه أولًا، وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة، جعلوا ذلك وجوهًا من فعل النبي ﷺ، وإنما هو من اختلاف الرواة، والله أعلم» زاد المعاد، ١/ ٥٣٢.
1 / 19
النوع الأول: ما يوافق ظاهر القرآن: يقسم الأمير أو القائد من معه إلى طائفتين: طائفة وجاه العدو؛ لئلا يهجم، وطائفة تصلي معه، فيصلي بهذه الطائفة ركعة، فإذا قام إلى الركعة الثانية نووا الانفراد وأتموا لأنفسهم ركعة والإمام واقف، وسلموا قبل ركوعه، ثم ذهبوا إلى الطائفة التي وجاه العدو، ثم تأتي الطائفة التي كانت تحرس وجاه العدو إلى الإمام فتجده ينتظرها واقفًا في الركعة الثانية فتدخل معه فيها وتصلي معه هذه الركعة، فإذا جلس للتشهد قامت فقضت ركعة والإمام ينتظرها في التشهد، فإذا تشهدت سلم بهم؛ لحديث صالح بن خوَّات عمن صلى مع رسول الله ﷺ (١) يوم ذات الرقاع (٢)
_________
(١) وفي رواية لمسلم برقم ٨٤١، عن صالح بن خوات بن جبير، عن سهل بن أبي حثمة، فصرح به في هذه الرواية، وفي رواية أبهمه.
(٢) ذات الرقاع: غزوة معروفة، قال النووي: «سميت ذات الرقاع؛ لأن أقدام المسلمين نقبت من الحفاء فلفوا عليها الخرق هذا هو الصحيح في سبب تسميتها» وقال: «كانت سنة خمس» شرح النووي على صحيح مسلم، ٦/ ٣٧٦، وذكر ابن القيم ﵀ أن أهل السير قالوا: كانت في السنة الرابعة جمادى الأولى، وقيل محرم، ورجح أنها كانت بعد خيبر، وسمعت شيخنا ابن باز يرد هذا القول ويرجح أنها قبل الخندق. انظر: زاد المعاد، ٣/ ٢٥٠ - ٢٥٣، وانظر للفائدة: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، ٤/ ٣٥٢، ٧/ ٤١٧، ٤٦٤.
1 / 20
صلاة الخوف، أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه (١) العدو فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائمًا وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسًا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم» (٢)، وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ﵀ يقول: «وهذا أيسر الأنواع، والصحابي المبهم في سند الحديث هو سهل بن أبي حثمة» (٣) وهذا النوع اختاره الإمام أحمد بن حنبل، لموافقته ظاهر القرآن، وأقر جميع الأنواع الأخرى، وأن كل حديث صح في صلاة الخوف يجوز العمل به (٤).
_________
(١) وجاه العدو: يقال: وجاه وتجاه: أي قبالته، والطائفة: الفرقة. شرح النووي،٦/ ٣٧٧.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع، برقم ٤١٢٩، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الخوف، برقم ٨٤٢.
(٣) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم ٤٩٩.
(٤) انظر: المغني لابن قدامة، ٣/ ٢٩٩، ٣١١، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف،
٥/ ١٢٥، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، ٥/ ١١٧، والكافي، ١/ ٤٦٧.
1 / 21