সালাহ উদ্দিন আইয়ুবি
صلاح الدين الأيوبي وعصره
জনগুলি
وقد شهد القرن العاشر تغيرا جديرا بالذكر في عقول أوروبا؛ إذ قد مضت أظلم القرون مع القرن التاسع، وبدأت حياة جديدة تدب إلى النفوس ولو أنها لم تكن تلك الحياة الفياضة التي تمشت في العروق منذ القرن الثالث عشر، وقد بدأ دبيب تلك الحياة يظهر بشيء من الجلاء في القرن الحادي عشر، وكانت أولى علاماتها تلوح هنا وهناك إما في بلاط ملك وإما في حنايا دير.
بدأت الأمم الفتية تتطلع إلى الماضي وترى أنفسها حفدة الرومان أصحاب المدنية القديمة، فجعلت تلتمس العلم من بقايا مخلفاتها، ووجدت معلمين لها من رجال الدين الذين كانوا لا يزالون يحتفظون ببعض علم القدماء، فانصبغت تلك النهضة الصغيرة بصبغة رجال الدين، ولما تفتحت العقول أول تفتح للمعارف وجدت الميدان الذي فتح دونها مصبوغا بصبغة الدين، فكانت حماستها - الشبيهة بحماسة الطفولة - تدفعها إلى الاهتمام بكل ما يمس الدين، حتى لقد ظهر أثر هذا في آداب العصر الذي يتكون من قصص العهد القديم والحديث ممثلة في قالب روائي، وكان الممثلون في الغالب من القسوس.
ولعل ذلك العصر كان قصارى ما وصلت إليه الكنيسة من التسلط على قلوب الناس، ولما يحرفهم عن عقيدتهم شيء من زيغ العلم أو شك الفلسفة، حتى لكان أكبر عقاب يقع على الفرد حرمانه من الكنيسة وإخراجه من دائرة الإيمان والمؤمنين، وهو عقاب أذل أكبر رأس في العالم إذ ذاك وهو الإمبراطور نفسه، وكان ذلك الحرمان إذا وقع على إقليم تعطلت شعائر الدين فيه فلم يجد الناس من يأخذ اعتراف الميت ولا من يقرأ عليه الصلوات التي توصله إلى الآخرة، وكان مثل ذلك العقاب كافيا لإرغام أكثر الأمراء عنادا وإذلال أحدهم شوكة، وكانت الكنيسة إذا فرضت على الناس فرضا يكفرون به عن ذنوبهم لم يسعهم إلا الإذعان، فيصوم الفرد أو يضرب أو يذل نفسه بالسؤال أو يشهر به ويخرج من بلده في زي النادم «قبعة خاصة وعصا طويلة وأقدام عارية» فيذهب إلى بيت المقدس أو إلى رومة ليمحو ذنوبه.
وقد كانت الكنيسة عاملا من العوامل الفعالة طول القرون الوسطى،
2
وزاد نفوذها في العصر الإقطاعي؛ إذ كانت هي المحكمة في منازعات المتنازعين؛ ترأب الصدوع وتداوي الجروح وتجعل للناس قواعد لحرامهم وحلالهم في الحرب؛ تحاول بذلك تخفيف ويلاتها. وكانت سلطتها لا تقف عند حد إقطاعي ولا دولة معينة، بل تشمل جميع أتباع المسيح المؤمنين بها في وقت لم يكن هناك مركز سياسي قوي؛ لانفراد كل أمير بإقطاعته مستقلا بأمره، وعلى ذلك كان سلطان الكنيسة هو السلطان العام الوحيد الذي يشمل جميع أنحاء أوروبا.
وقد اتفق في أواخر القرن الحادي عشر حدوث نضال كبير بين الإمبراطورية (السلطة الدنيوية) وبين الكنيسة (السلطة الدينية) وكانت نتيجة ذلك النضال انتصارا باهرا للبابا، وذهب الإمبراطور العظيم - وهو إذ ذاك «هنري الرابع» - إلى البابا «جريجوار السابع» في قرية «كانوسا» بإيطاليا، وهناك وقف حاكم الدنيا أياما ثلاثة عند باب رئيس الكنيسة عاري الرأس حافي الأقدام يطلب العفو والصلح.
وعقب ذلك بسنين قليلة كان البابا «أربانوس» في مجمع من رجال الكنيسة في «كلرمون»، فأتاه صريخ إمبراطور الدولة الشرقية يدعوه للمساعدة في حرب المسلمين، فما انفض ذلك المجلس سنة 1095م حتى كان البابا قد أعلن حربا لنصرة المسيح والصليب على المسلمين واستنقاذ بيت المقدس منهم، فأية صيحة تكون صيحة البابا في مثل هذا العصر؟ لقد كانت صيحة ترددت كالرعد القاصف وسارع إلى تلبيتها شعب مؤمن مطيع على رأسه طائفة من الأمراء الذين لهم دراية بالحروب وبهم غيرة على الدين ورغبة في نصرته. (5) انتصار الصليبيين
صورة خيالية لفتح أنطاكية.
بدأت الحرب الصليبية فذهبت جموع بعد جموع في سنة 1096م/489 هجرية، ولكنها لم تتم شيئا، ثم تبعتها جموع أخرى في سنة 1097م بقيادة أربعة من كبار أمراء أوروبا وهم: «جودفري» حاكم بولوني، و«ريمون» كونت كولوشه، و«بالدوين» أخو «جودفري»، و«بوهمند» ابن «روبير جيكار» النرماندي حاكم جنوب إيطاليا وصقلية. وكان يساعدهم آخرون من الأشراف والفرسان، فلما بلغت الحملة القسطنطينية استوثق الإمبراطور ألكسيوس من حلفائه أنهم يردون إليه ما سلبه الإسلام من بلاده، ثم سمح لهم أن يجتازوا بأرضه، فساروا وعبروا المضائق وهزموا المسلمين في الأناضول، وكانوا أشتاتا بعد ذهاب ملوكهم الكبار، وكان أكبر انتصار للصليبيين عند «دوريليوم» أو «إسكيشير» في غرب آسيا الصغرى، ثم ما زال النصر لهم إلى أن أتموا السير وبلغوا الشام، وأقاموا دولا أربعة اقتطعوها من أرض الإسلام وهي «الرها» و«أنطاكية» و«طرابلس» و«بيت المقدس»، وجعلوا الملك في يد حاكم بيت المقدس وهو «جودفري»، وقنع الباقون من الأمراء بالولاء له حسب النظام الإقطاعي في أوروبا، وجعلوا نظام الحكم في تلك البلاد على الأسلوب الإقطاعي، وتم ما أرادته أوروبا، وردت موجة الفتح الإسلامي عن أسوار القسطنطينية بتلك الضربة الشديدة، ولن تعود الدول الإسلامية إلى محاولة فتحها من جديد إلا بعد أن تفيق منها، وذلك بعد نيف وثلاثة قرون على يد الأتراك العثمانيين. (6) العالم الإسلامي يستجمع قوته للدفاع
অজানা পৃষ্ঠা