সালাহ উদ্দিন আইয়ুবি
صلاح الدين الأيوبي وعصره
জনগুলি
وقد بلغ عدد من دفع عنهم صلاح الدين الفداء نحو عشرة آلاف نفس عدا من أطلقهم أخوه سيف الدين الكريم، ورأى جماعة من المسيحيين وهم خارجون يحملون على أكتافهم من يعجز عن السير لسنه أو ضعفه؛ ففرق فيهم مقدارا عظيما من المال، وحمل بعضهم على دواب من عنده. وقد أظهر صلاح الدين من التكرم ورقة القلب في هذا الفتح ما يجعلنا نرى حقيقة نفسه واضحة، فإنه أبى أن يغدر بأحد من فرنج بيت المقدس ولو عظم الداعي إلى الغدر، وكان لا يعميه تعصب للإسلام عن الرحمة بمن كانوا في صفوف أعدائه، بل كان يرحم المتألم وتأخذه الشفقة بالضعيف من امرأة أو طفل تجمعه به روابط الإنسانية.
ولهذا يظهر لنا في ذلك الموقف بطلا ينصر جانبا مظلوما على من اعتدى عليه، ولم يكن بالقائد الأعمى المندفع إلى القتل والعداوة بغريزة القسوة والحقد، فكان في ذلك نقيضا واضحا لما كان عليه الصليبيون عند فتح بيت المقدس سنة 1097م.
وبعد أن انتهى خروج من أراد الخروج من المدينة دخل بجيشه إليها منصورا، وكان ذلك يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب سنة 582ه، وجعل يصلح ما أفسده الحرب والحصار، وبدأ فيها الإصلاح بأنواعه؛ فأعاد الأبنية إلى أصلها بعد أن كان الصليبيون حوروا فيها بحسب أذواقهم وحاجات تعبدهم، وأقبل على المسجد الأقصى فأرجعه إلى حاله الأولى وجعل فيه منبرا كان قد أعده نور الدين محمود بعناية كبرى لينصب بالبيت المقدس إذا فتحه، «فكان بين عمل المنبر وحمله ما يزيد على عشرين سنة»، ثم جعل يحسن المسجد وينمق فيه بأنواع النقوش والفرش بالرخام الثمين والتمويه بالذهب، ثم أقبل على الإصلاح الاجتماعي جاعلا المدارس محل الأساس من البناء سيرا على سنته التي اتبعها في مصر، وبعد أن قضى زمنا يسيرا في الأعمال السلمية والإصلاح ذهب إلى إتمام عمله في الحرب فقصد إلى صور. (20) حصار صور ورفعه وفتوح سنة 1188م/584ه
كانت صور حصينة بموضعها، وزادها منعة ما قام به المركيش «كنراد» من حفر الخندق حولها حتى أصبحت كالجزيرة، وكانت مثل الكف أو الرأس بارزة في البحر ويصلها بالساحل طريق كالعنق أو كالساعد، وكانت الحرب عند ذلك العنق المتصل بالساحل من أشق الأمور على المسلمين؛ إذ كانت الجنود تحاربهم من المدينة أمامهم والسفن تحاربهم من البحر من جانبي العنق، فرأى صلاح الدين أنه لا يستطيع أخذ المدينة إلا بمساعدة الأسطول، فأرسل إلى أسطوله المصري لذلك الغرض، ولكن قلة عدد السفن التي أتت مكنت الصليبيين من هزيمة المهاجمين، وبذلك رأى صلاح الدين أن يترك حصارها، وكان هذا الخذلان مشددا لعزائم الفرنج بعد انهزامهم الكبير عقب حطين. وقد قضى الشتاء من عام 1187م في راحة من الحرب، فلما بدأ الربيع من عام سنة 1188م كان عليه أن يعود إلى الحرب وقد تنفس عدوه راحة مدة طويلة.
وفي أوائل سنة 1188م/584ه قام ببعض غزوات انتصر فيها انتصارات صغيرة، وكانت نتيجتها زيادة تمكنه من الساحل ودخوله إلى الإقليم التابع لأنطاكية، وكذلك زيادة تمكنه من الإقليم الواقع بين بيت المقدس والبحر، وكان لا يزال به بقايا حصون الداوية والاسبتارية أبطال الصليبيين. وقد انتهى حرب أول سنة 1188م بهدنة مع أمير أنطاكية «بوهمند» وهو أكبر الأمراء الباقين من دولة الصليبيين. وكان شرط الهدنة لمدة ثمانية شهور نظير أن يطلق بوهمند من عنده من الأسرى. وكان غرض «بوهمند» أن تأتي إليه بعد تلك الفترة مساعدة من أوروبا كما كان غرض صلاح الدين التفرغ للميدان الجنوبي، فذهب توا إليه لمساعدة الجيوش المحاصرة لقلاعه وفتح أكبر ما بقي من تلك القلاع؛ وهي الكرك والشوبك وصفد وكوكب. وكان صلاح الدين كلما فتح بلدا من تلك البلاد تسليما بغير حرب أذن لأصحابها بالرحيل عنها، وكانوا جميعا يختارون مدينة صور، وقد لام كثيرون تلك السياسة وقالوا إنها كانت غلطة من صلاح الدين وقصرا في النظر؛ إذ مهد السبيل إلى جمع عدد عظيم من المحاربين في مدينة صور، وبذلك خلق لنفسه قلعة حصينة معادية له على الساحل تستطيع مقاومته بمن رحل إليها، ولكنا يجب ألا ننسى أنه عندما أوسع صدره لكل من يسلم وأباح ذهاب من أحب إلى صور، قد شجع أعداءه على التسليم بغير حرب وقلل بذلك من ضحايا القتال.
وكذلك يجب ألا ننسى أنه كسب بسياسته شيئا كبيرا وهو تطهير الداخل من أعدائه وحشدهم جميعا في جهة واحدة على الساحل، والحصون الداخلة في البلاد - لا شك - أشد خطرا لو بقيت على المقاومة من حصون الساحل؛ لأن الأولى تتخلل دولته وتهدد كل حركاته. وأما حصون الساحل فيمكن الوقوف دونها ومنع من فيها من ولوج البلاد مع شيء من المراقبة الدقيقة، ولا يستطيع قوم البقاء في الساحل إلا مع استمرار الأمداد وتوالي النجدات من الخارج، وهذا أمر لا يمكن بقاؤه إلى الأبد؛ إذ إن حماسة القوم لا بد تخبو متى أدركوا أن موقفهم غير طبيعي ولا ينتظر منه نجاح. فكأنه كان واثقا أن دفاع صور لن يدوم، بل لا بد من سقوطها متى طال عليها الزمن وانقطع عنها ما يكفيها من الأقوات والأمداد من الخارج، ولعل هذا يبرر خطته التي يلوح على ظاهرها أنها كانت غير سديدة. (21) الحملة الصليبية الثالثة
لقد مر نحو قرن على الهزة العظيمة التي اهتزتها أوروبا أيام البابا «أربانوس الثاني»، وذهبت أجيال من الناس بعد من سمعوا خطابات الناسك بطرس يستفز إلى تخليص بيت المقدس من المسلمين ونصرة الصليب. وقد أتى ذلك القرن الذي مر منذ تلك الأيام بتغير عظيم في أوروبا، فكانت الحياة الجديدة تتمشى في شعوبها، وكانت فوضى نظام الإقطاع تكاد تنجلي غبرتها عن حكومات جديدة، وكانت عقول أهلها تستقبل العلم القديم الذي اندثر ودفن قرونا عدة وهي تحسبه شيئا جديدا، فأخذت تتذوق لذته. ولكن مع كل هذا التغيير بقي في أوروبا شيء كبير من الدافع الأول إلى نصرة الدين ، ونشأت منه حملة جديدة وهي المعروفة بالحملة الصليبية الثالثة. وإنا لنلمح فيها أثر التغير الذي طرأ على أوروبا، ولو أن الظواهر كلها تخدع وتفهم الناظر السطحي أن هزة أوروبا في أواخر القرن الثاني عشر هي نفسها الهزة التي اهتزتها من قبل في أواخر القرن الحادي عشر.
ما كانت تنقضي سنة من القرن الثاني عشر منذ سنة 1100م بغير أن ترد إلى الشام وفود من الحجاج المتحمسين بعضهم رجل مسن أو امرأة عجوز أو طفل صغير، وبعضهم شاب أو كهل يلتهب شوقا أن يجد الشهادة في البلاد الطاهرة وهو يقتل المسلمين، غير أن تلك الوفود ما كانت في العادة تأتي للحرب قصدا، بل كانت إذا وجدت حربا اشترك من يقدر من رجالها وشبانها فيها ، وكانت الحروب لا تفتر سنة واحدة لا سيما بعد أن نبغ عماد الدين زنكي أتابك الموصل، وبدأ سيرة جهاد طويل استمر فيه ابنه نور الدين محمود وتلقى من بعدهما سيف الجهاد صلاح الدين.
غير أن بعض الحوادث كانت تثير في أوروبا حماسة فوق المعتادة؛ فعند أخذ الشهيد عماد الدين مدينة «الرها» ثارت في أوروبا ثورة أججها بعض نوابغ رجال الدين مثل القديس «سان برنار»، وكانت نتيجتها حملة عظيمة يعدها التاريخ (الحملة الثانية) متجاهلا ما كان بين الحملة الأولى وبينها من وفود الحجاج والأمداد العسكرية التي كانت - كما قدمنا - تفد بين حين وحين إلى الشام. وكذلك ما حدث في أواخر القرن الثاني عشر؛ فقد كانت الجنود تتوالى في مجيئها إلى الشام نصرة لجنود المسيح بالشام أو للإغارة على مصر بعد أن أصبحت قاعدة دولة صلاح الدين، ولكن التاريخ لا يسمي هذه الحملات والأمداد بل يمر بها لا يعدها.
فلما سقط بيت المقدس في يد صلاح الدين بعد وقعة حطين وما تلا ذلك من الانتصار على الساحل وفي الداخل؛ قامت قيامة من عويل واستصراخ في أوروبا، وأجج رجال الدين النيران، كما كانت العادة دائما؛ إذ كانوا أكثر الناس تحمسا للحرب وتخليص بيت المقدس من أعداء المسيح، وبالغوا في استنهاض الهمم وإثارة النفوس حتى غضب للدين مئات الآلاف وقام على رأسهم أمراء وملوك، وكانت على أثر هذا حرب عظيمة يسميها التاريخ الحرب الثالثة. ويحسن بنا أن نمر مرا سريعا على ذكر الوفود الكثيرة التي بادرت للنجدة آتية من بلاد مختلفة من بلاد البحر الأبيض المتوسط في الجنوب إلى بلاد الدانمارك والفلندر في شمال أوروبا.
অজানা পৃষ্ঠা