فابتسمت سيدة الملك والدمع يتلألأ في عينيها وقالت: «بل هو قال إنه يفعل ذلك بحكم الأخوة وليس المصاهرة.»
فاستغربت هذا التعبير وقالت: «بحكم الأخوة؟ وأي أخوة يا سيدتي؟»
قالت: «لما أوصاه أخي بي فلكي يؤكد له العمل بوصيته قال له: «كن مطمئنا على سيدة الملك، إنها أختك وهي أيضا أختي بعهد الله وكفى».»
فلم تتمالك ياقوتة عند ذلك من ضم سيدة الملك إلى صدرها وأخذت تقبلها وتقول: «إن مصيبتنا بمرض سيدي أمير المؤمنين كبيرة ، وإذا أصابه سوء - لا سمح الله - فإن المصيبة تكون أعظم كثيرا. ولكن في ظلمات هذه المصائب المدلهمة نورا قد أنار قلبي وأخرجني من ديجور اليأس؛ لأن أكبر هم لي كان من جهتك إنما كان هو طلب صلاح الدين خطبتك وأنت لا تريدينه؛ لأنك عالقة القلب بعماد الدين. وأنا أعلم سلطة صلاح الدين وأنه إذا أراد أمرا لا يقدر أحد على رده، وقد قلت الآن إنه تخلى عن الخطبة وتعهد بحمايتك كأنك أخته. فاطمئني يا سيدتي ولا يهمك سعي الساعين أو وشاية الواشين.»
فعلمت سيدة الملك أنها تعني أبا الحسن، فأجابتها بعينيها وكل جوارحها موافقة على قولها، لكنها انتبهت فجأة إلى حال أخيها فعادت إلى الانقباض ودقت كفيها وقالت: «ويلاه! إن أخي في حال اليأس من الحياة. ماذا أعمل؟ كيف يصير أمرنا إذا مات؟» وغصت بريقها وعادت إلى البكاء وأخذت ياقوتة تخفف عنها.
قضت معظم ذلك الليل في قلق، ولم تفق إلا صباحا على أصوات النعاة. ولم يقع خبر موت أخيها وقعا غريبا عندها لكن وقعه كان شديدا. ولم يمض إلا يسير حتى تعالى الصياح في القصور واجتمع الوزراء ورجال الدولة والكتاب وغيرهم، وغص قصر الذهب وسائر القصور بالناس. وأراد أهل الخليفة إقامة مأتم يليق بالخلفاء، وهم رجال الدولة أن يبايعوا لداود ولي العهد، وإذا بالقصور قد أحاط بها رجال صلاح الدين. ثم جاء بهاء الدين قراقوش إلى الجليس الشريف وقال له: «إن السلطان يتقدم إليكم أن تجعلوا المأتم مختصرا خوفا من وقوع القلاقل، ومن مات فقد مات ولا يجدي الصياح والعويل نفعا.»
فلم يسع القوم إلا الإصغاء والطاعة خصوصا بعد ما شاهدوا من استقدام الخليفة لصلاح الدين بالأمس وإن لم يعلموا تفصيل ما دار بينهما، وإنما دلهم استقدامه على رفيع منزلته عنده، ومهما يكن من الأمر فالقوة غالبة وجند صلاح الدين قابض على المدينة بيد من حديد. فأذعن إلى أمره.
الفصل السابع
آخرة الفاطميين
أما سيدة الملك فبلغها العزم على منع أهل ذلك القصر من الخروج، ورأت الجند محدقا به من كل ناحية فاكتفت بالبكاء وهي في غرفتها، فندبت أخاها وبكته والحاضنة بين يديها تبكي معها.
অজানা পৃষ্ঠা