فأخذ أبو الحسن يهز رأسه هز الإنكار وقال: «أنا؟ نعم كنت راغبا في هذا المنصب كما علمت، وقد قلت لي إن الإمام رضي أن أكون ولي عهده، وهذا شرف لي لكنني أتردد كثيرا في القبول .»
فقال الجليس: «لا ينبغي أن تتردد؛ فإن في قبولك إنقاذ هذه الدولة.»
فوجد الفرصة قد سنحت ليستشهد الجليس بأن العاضد بايعه بولاية العهد فقال: «وهب أني أردت أن أتفانى وأرضى فهل يصدق القول إن العاضد بايعني؟»
قال: «أنا أشهد بذلك. ألم يكن رضي على الشرط المعدوم؟ وإنما أجل الأمر مؤقتا وقد اعترضته شئون مختلفة.»
فرقص قلب أبي الحسن طربا عند سماع ذلك الوعد فعاد إلى المغالطة وقال: «أنا أعلم أن مثلك إذا شهد فشهادته أوثق من عقد مبرم، ولكن ما لنا ولهذا الآن، أرجو ألا يحدث ما يدعو إلى استشهادك وأن ينهض مولانا الإمام صحيحا معافى ونتمتع برؤيته ونقبل يديه ونصلي وراءه.»
قال: «أرجو ذلك إن شاء الله.»
وفيما هما في ذلك سمعا وقع أقدام مسرعة ودخل غلام عرفا أنه من غلمان القصر فأجفلا فقال الجليس: «ما وراءك؟» قال وصوته يرتجف: «إن مولانا الإمام يحب أن يراك عاجلا.» فقال: «وكيف هو؟» قال: «لا أدري لكنني رأيت الشيخ السديد عنده ومعه أطباء كثيرون!»
فنهض الجليس وهو يقول: «يظهر أن المرض اشتد عليه.» فقال أبو الحسن: «لا بد من ذهابك إليه حالا. ولو كنت أعلم أني أنفعه لسرت معك ولكنني سأسعى بعد قليل للاطمئنان. وأنا ذاهب إلى المسجد لأدعو له بالشفاء.» قال ذلك وخرج وترك الجليس يتأهب للركوب إلى الخليفة. •••
رجع أبو الحسن على بغلته إلى منزله. وخلا في غرفته وأخذ يفكر في حيلة يدبرها لنيل بغيته. وقد تأكد له دنو أجل الخليفة فكيف يمهد الأمر لنفسه وهو يعلم أن شهادة الجليس لا تكفي، وأن القول الفصل لصلاح الدين. إذا أظهر رضاه عن مرشح للخلافة نالها. فانزوى في الغرفة على كرسي وأقفل الباب وجعل يفكر في الطريقة المؤدية إلى غرضه، وبعد أن قضى ساعة لا يحرك رأسه ولا يده وإنما كان يحرك شفتيه وعينيه، وثب من مكانه وصفق فجاء الغلام فقال له: «أسرج البغلة.» فقال: «لا تزال مسرجة يا سيدي.» فركبها وسار قاصدا عيسى الهكاري صديقه. وكان الهكاري في غرفته المعهودة يطالع في بعض كتب الفقه، فلما أنبأه الغلام بمجيء الشريف أبي الحسن خف له واستقبله أحسن استقبال؛ لأنه كان يتوقع أن يحتاج إليه في تدبير بعض الشئون لمصلحة صلاح الدين.
فبدأ أبو الحسن الحديث عن الفقه والتاريخ كأنه يتمم ما دار بينهما عند اجتماعهما في دار العلم فقال: «أراك ما زلت تفتش في الكتب، هل ترى منها نفعا؟» قال: «كيف لا؟ إن مثلك لا يسأل هذا السؤال!»
অজানা পৃষ্ঠা