وكان لنجم الدين نفوذ على ابنه مثل نفوذ السحر، فاكتفى صلاح الدين بما سمعه وتحول وهو يقول: «أظنك في حاجة إلى الرقاد يا أبي.» وأمر الخدم أن يهيئوا الفراش وذهب كل إلى منامه.
الفصل الثالث
أبو الحسن والحشاشون
تركنا الخليفة العاضد في قاعة الذهب، بعد خروج نجم الدين وابنه، ولم يبق معه إلا أبو الحسن. فلما خرج الكرديان أمر الحاجب أن يأتي بصاحب اللباس لينزع عنه ثيابه وحلاه؛ لأنه في حاجة إلى الراحة وألا يأذن لأحد في الدخول. فأتى صاحب اللباس وأخذ في نزع العمامة وما عليها من الجواهر ووضع كل قطعة في علبة خاصة بها وجاءت الوصائف يحملن الثوب الآخر ليلبسه الخليفة، وقد تغيرت سحنته وانقبضت أساريره واحمرت عيناه وشعر ببرد طقطقت له أسنانه واصطكت ركبتاه حتى لم يعد يستطيع الوقوف. فبادر أبو الحسن إليه فأسنده وبالغ في التخفيف عنه. ولكنه حالما لمس يده أحس بحرارتها، فعلم أن الخليفة مصاب بالحمى لكنه لم يشأ أن يخوفه.
ولما فرغ الخليفة من تبديل الثياب، ألقى نفسه على السرير وقد أحس بانحطاط عزيمته. فقال أبو الحسن: «بماذا تشعر مولاي أمير المؤمنين.»
قال: «أشعر بارتعاد مفاصلي وببرد يتمشى في ظهري، لا أظنه إلا من عواقب الكظم وتحمل الضيم، آه يا أبا الحسن.» قال ذلك بصوت مختنق وترقرق الدمع في عينيه.
فبادر أبو الحسن إلى التهوين عليه فقال: «لكل أجل كتاب يا مولاي. ولا بد من زوال هذه الأزمة.»
فقال وهو يلهث من شدة الحمى: «شعرت بهذه القشعريرة منذ ركبت في هذا الموكب لملاقاة هذا الكردي. آه كيف أقوى على احتمالهم وقد سلبوني ما في يدي من سيادة وثروة؟ وأنا مع ذلك لا أقدر إلا أن أجاملهم وألاطفهم وأرحب بهم.»
فمشط أبو الحسن لحيته بأنامله ثم قبض عليها وهو يتمتم كأنه يدعو أو يصلي ويظهر التقوى وسعة الصدر وقال: «لا بد من الصبر يا مولاي، ولا شك أن الله سامع دعاءنا. فإني أصلي ليل نهار وأطلب إليه تعالى أن ينصفك من هؤلاء الظالمين.»
فقال: «إلى متى الصبر يا أبا الحسن. كأنك لم تعلم بما فعلوه معي. ولم تسمع إلا مجاملتهم لي بالكلام ومخاطبتي بالإمارة. إنهم لم يتركوا لي من هذه الإمارة إلا لفظها. إن يوسف صلاح الدين هذا قد منع المؤذنين من الأذان بجملة «حي على خير العمل» كما كانوا يفعلون في دولتنا. وعزل قضاة مصر لأنهم من شيعتنا، وولى قضاة شافعية على مذهبه، وقبض على مرافق البلاد بيد من حديد، وتقول لي اصبر! أين الصبر؟» قال ذلك وغص بريقه.
অজানা পৃষ্ঠা