فأطرق عماد الدين وتشاغل بتمشيط عرف فرسه بأنامله. ثم قال: «ألا تزال تعتقد كرامة الشيخ راشد الدين ومعجزاته؟»
قال: «كنت أعتقدها حتى ارتقيت وعرفت سرها فأنكرتها، وفي الدنيا كثير من الظواهر المدهشة إذا عرفت سرها احتقرتها.»
قال: «إني شديد الرغبة في معرفة سر ما شاهدت من معجزات الرجل.»
قال: «إني أعذرك، وقد كنت أود أن أكاشفك بسرها لولا أني أقسمت الأيمان المغلظة على الاحتفاظ بها، وأنت لا ترضى لي الحنث باليمين؛ لأني وإن تركت الجمعية وتخليت عنها فلم أتخل عن شرفي وضميري. لكن هذه المعجزات ليس فيها شيء من الخوارق التي لا يقدر عليها الناس، وليست من قبيل الوحي الإلهي أو المقدرة الخاصة كما كنا نظن. والآن قد دنونا من محطة فيها ماء وخان أعرف صاحبه، فأرى أن ننزل هنا ريثما نستريح ثم نستأنف المسير.»
فأسرع عماد الدين إلى سيدة الملك وأخبرها برأي رفيقه عبد الرحيم فوافقت عليه، وكان الفجر قد لاح فنزلوا. وتقدم عماد الدين ومعه عبد الرحيم إلى سيدة الملك فقدمه لها وأخبرها عن فضله في نجاح مهمته فأثنت عليه كثيرا.
فلنتركهم جميعا يستريحون ولنعد إلى القاهرة، فقد طال سكوتنا عن أهلها. تركناهم بعد صلب عمارة وأصحابه المتآمرين وخروج رسول عماد الدين (عبد الرحيم) بالكتاب والجواهر إلى بيت المقدس. وقد اطمأن بال سيدة الملك وسرها أنها خطرت ببال حبيبها. وقد ذكرنا ما كان من نقمة أبي الحسن بعد فشله في دمشق. وأنه أصبح همه الانتقام من سيدة الملك بأي وجه كان فأغرى بعض الأشقياء من الفدائيين على الاحتيال لاختطافها وذهب هو إلى مصر. فاغتنموا خروجها مع حاضنتها إلى البساتين على مقربة من قصر صلاح الدين واختطفوها كما تقدم، وسقطت ياقوتة وقد أغمي عليها ولم تفق إلا بعد ساعات. وكان اللصوص قد نجوا بغنيمتهم، فأخبرت قراقوش بذلك فأطلع صلاح الدين عليه فغضب وأمر بالتفتيش عن سيدة الملك وبث الجواسيس في الأطراف فلم يقفوا لها على خبر. فشق ذلك عليه كثيرا، وزاد غضبه لانقطاع أخبار عماد الدين وندم على الإذن له في الذهاب؛ لأنه أحس بحقيقة منزلته بعد ما رآه من ثبات عزمه على خدمته. وكان يود ليزوجه بسيدة الملك ويفرح به فكان غيابهما سببا لتنغيص عيشه، وكان يشغل خاطره عن حروبه مع الصليبيين وهي على أشدها في ذلك العهد، وقد أخذ يتهيأ لفتح بيت المقدس. وفيما هو في ذلك جاءه قراقوش يقول: «إن رسول عماد الدين الذي جاءنا في المرة الماضية أتى ومعه بشرى مهمة.» فأمر بإدخاله ورحب به فوقف متأدبا فقال له: «ما وراءك ، إنك لا تأتينا إلا بالبشائر الحسنة.»
قال: «إن ذلك بتوفيق الله وبركة مولانا السلطان. أخبر مولاي أن عبده عماد الدين عاد من مهمته سالما ظافرا، وكان يود أن يحمل هذه البشرى بنفسه لكنه شغل بسيدة الملك فاستأذنته أن أحمل هذه البشرى إليكم قبل وصوله.»
فصاح صلاح الدين قائلا: «وسيدة الملك معه؟»
قال: «نعم يا مولاي.»
فالتفت إلى بهاء الدين يلتمس مشاركته في الاستغراب، فقال بهاء الدين: «إن ذلك غريب! إنه في هذه المرة أيضا أنقذها من الخطر. أليس ذلك دليلا على أنهما خلقا ليقترنا؟»
অজানা পৃষ্ঠা