137

قال «جون وديكا»: لنحتم بعض الوقت تحت الشجرة حتى تنتهي تلك العواصف والأمطار. - من الخطر الوقوف تحت الشجرة أثناء العاصفة، دعنا نواصل السير فنحن لسنا ملحا ولا نحمل شرا في أجسادنا، أنا على الأقل لن أقف.

التصقت الملابس بجسديهما، وامتلأت حقيبة «إيزولو» بالماء، وفسد النشوق بداخلها، وكذا الكاب الأحمر فوق رأسه، وانتاب «إيزولو» ذلك الشعور بالزهو الذي يحسه مع الأمطار الغزيرة، والذي يحسه الأطفال فيخرجون مع المطر ويغنون.

كان زهو «إيزولو» ممتزجا ببعض المرارة؛ فمثل تلك الأمطار هي جزء من المعاناة التي تعرض لها، وكان يفكر في متعة الانتقام وبعض المضايقات الأخرى ليصبها على الآخرين.

مرر إصبع يده اليسرى عبر حاجبيه وعينيه ليمسح الماء الذي يعوق الرؤية، كان الطريق فسيحا مثل المستنقع الأحمر المتحرك، ولم تعد عصا «إيزولو» تضرب الأرض ضربات قوية، توقفت الأمطار فجأة وساد السكون، فأصبح من اليسير رؤية الأشجار العملاقة، غير أن ذلك السكون لم يدم طويلا؛ إذ سرعان ما اكتسحت الأفق أمواج جديدة من الأمطار الغزيرة، كانت الأمطار غزيرة بلا حدود، وكان سقوطها المستمر يجعل الجسد يشعر بالبرودة، مما جعل أصابع «إيزولو» تمسك بالعصا كالمخالب الحديدية.

تنحنح «جون وديكا» وقال بصوت غليظ: إنني قلق عليك! - أنا! لماذا يقلق أي شخص على رجل عجوز؟ .. لا يا ابني، إنها رحلة صغيرة جدا إذا ما قورنت بما أفكر فيه بعد نهايتها؛ فحيثما يذهب اللهب فسأضع الشعلة بعيدا.

هبت رياح أخرى محملة بالمطر، فتوقف «جون وديكا» عن الإجابة.

دخل «إيزولو» مرتعشا فأصيب أهله بقلق كبير، ثم سارعوا بإشعال النار، وبادرت زوجته «أوجوي» بإحضار المرهم، لكنه كان أولا في حاجة لبعض الماء ليغسل قدميه المليئتين بالطين الأحمر حتى نهاية جوربه القصير، تناول المعجون من رف جوزة الهند، وظل يدعك صدره بينما كان «إيدوجو» يدعك ظهره، بدأت «ماتيفي» في إعداد حساء الأوتازي، فتناوله «إيزولو» ساخنا، وبدأ تدريجيا يحس بجسده.

توقفت الأمطار تماما فور دخوله بيته، وبعد أن شرب حساء الأوتازي أرسل «وافو» لكي يخبر «أكيوبو» بعودته .. كان «أكيوبو» يطحن النشوق، ولم ينتظر حتى الانتهاء من عمله، فأمسك بشفرة سكين رفيعة، ونقل بها النشوق إلى زجاجة صغيرة، ثم كنس الذرات الناعمة بالريش إلى منتصف حجر الجلخ، ونقلها إلى الزجاجة ، وهكذا حتى انتقلت البودرة كلها إلى الزجاجة، ثم وضع الحجرين بعيدا، واستدعى إحدى زوجاته، ألقى بملابسه فوق كتفه، وقال لها: أنا ذاهب إلى «إيزولو»، وإذا جاء «أوزينج» لاستعارة الحجارة فقولي له بأنني لم أنته بعد.

توجه بعد ذلك إلى كوخ «إيزولو»، فوجد كثيرا من الناس والجيران الذين جاءوا لتحيته .. لم يتحدث «إيزولو» كثيرا، وكان يبادلهم التحية بعينه أو بإيماءة من رأسه؛ حيث إن وقت الكلام لم يأت بعد .. يجب أن يعاني أولا بما فيه الكفاية من كل المضايقات تاركا أعداءه يدوسون فوق جسده، يجب أن ينتظر قبل أن يكشف عن مخالبه السبعة واحدا تلو الآخر، وعندئذ يستطيع أن يقول لهم: ها أنا ذا!

فشلت كل محاولاتهم في استدراج «إيزولو» للحديث إلا في حدود ضيقة، وعندما تحدثوا عن رفضه أن يكون رئيسا عند الرجل الأبيض ابتسم فقط، ليس لكراهيته الناس من حوله أو لما كانوا يتحدثون بشأنه، وإنما لأنه كان مستمتعا بكل شيء، كان راغبا في بقاء ابن «وديكا» ليحكي لهم عن كل شيء، لكنه سيعود إلى قريته لقضاء الليلة، قبل عودته إلى «أوكبيري» في الصباح.

অজানা পৃষ্ঠা