Sahih Mawarid Al-Zam'an ila Zawa'id Ibn Hibban
صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان
প্রকাশক
دار الصميعي للنشر والتوزيع
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠٢ م
প্রকাশনার স্থান
الرياض - المملكة العربية السعودية
জনগুলি
صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان
مضموما إليه
«الزوائد على الموارد»
بقلم
العلامة المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني المتوفى سنة (١٤٢٠ هـ) - رحمه الله تعالى -
[المجلد الأول]
دار الصميعي
অজানা পৃষ্ঠা
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
جَمِيع حُقُوق الملكية الأدبية مَحْفُوظَة للناشر، فَلَا يسمح مُطلقًا بطبع أَو نشر أَو تَصْوِير أَو إِعَادَة تنضيد الْكتاب كَامِلا أَو مجزأ.
ويحظر تخزينه أَو برمجته أَو نسخه أَو تسجيله فِي نطاق استعادة المعلومات فِي أَي نظام كَانَ ميكانيكي أَو إلكتروني أَو غَيره يمكِّن من استرجاع الْكتاب أَو جُزْء مِنْهُ.
وَلَا يسمح بترجمة الْكتاب أَو جُزْء مِنْهُ إِلَى أَي لُغَة أُخْرَى دون الْحُصُول على إِذن خطي مسبق من الناشر.
جَمِيع الْحُقُوق مَحْفُوظَة للناشر
الطَّبعة الأولى ١٤٢٢ هـ - ٢٠٠٢ م
دَار الصميعي للنشر والتوزيع
هَاتِف: ٤٢٦٢٩٤٥ - ٤٢٥١٤٥٩ - فاكس: ٤٢٤٥٣٤١
الرياض - السويدي - شَارِع السويدي الْعَام
ص. ب: ٤٩٦٧ - الرَّمْز البريدي: ١١٤١٢
المملكة الْعَرَبيَّة السعودية
1 / 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كَلِمَةُ النَّاشِر
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِين، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى أَفْضَلِ المُرْسَلِين؛ نَبِيَّنا مُحَمَّدٍ؛ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
أَمَّا بَعْدُ:
فَتَتَشَرَّفُ (دارُ الصُّمَيْعِيَّ للنَشْرِ وَالتَوْزِيع) بإخْراجِ هَذا الكِتَابِ القَيِّمِ "صَحِيحِ" وَ"ضَعِيفِ مَوَارِدِ الظَّمْآن" - للشَّيْخِ العَلاَّمَةِ، المُحَدِّثِ الكَبِيرِ: مُحَمَّدٍ ناصِرِ الدِّينِ الألبانِيَّ ﵀، وَأَدْخَلَهُ فَسِيحَ جِنانِهِ -.
وَهَذا الكِتَابُ القَيَّمُ؛ كَانَ مِنْ أَهْمَّ أَسْبابِ عَلاَقَتِي الطَّيَّبَةِ بِشَيْخِنا العَلَّامَةِ الألبانِيَّ ﵀؛ وَذَلِكَ بِصُحْبَةِ الشَّيْخِ الفاضِلِ: عَلِيِّ بْنِ حَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الحَمِيدِ الحَلَبِيِّ - نَفَعَ اللهُ بِهِ -، حَيْثُ تَكَلَّلَتِ الزِّيارَةُ - بِحَمْدِ اللهِ وَمِنَّتِهِ - بالتَّوْفِيقِ وَالنَّجاح.
وَلَقَدْ مَكَثْتُ عِنْدَ الشَّيْخِ ﵀ قُرابَةَ ساعَتَينِ، كَأَنَّها - لِطِيبِ المُقام؛ عِنْدَ الإمام - دَقائِقُ مَعْدُودة، وَثَوان مَحْدُودَة.
فَمَا أرْوَعَ اسْتِقْبَالَه! وَمَا أحْسَنَ خُلُقَه! ﵀ رَحْمَةً واسِعَةً -.
وَلَقَدْ كانَتْ آخِرَ مُكالَمَةٍ لَنَا مَعَ الشَّيْخِ ﵀ عَقِبَ حُصُولِهِ عَلَى جائِزَةِ المَلِكِ فَيْصَلٍ لِخِدْمَةِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ؛ لِتَهْنِئَتِهِ وَالمُبارَكَةِ لَهُ - فِيها -.
وَمِنَ المَعْلُومِ أَنَّ الشَّيْخَ لا يُجِيبُ (كُلَّ) مُتَّصِلٍ بِهِ؛ لِكَثْرَةِ المُتَّصِلِينَ عَلَيْهِ مِنْ أَنْحاءِ العالَمِ؛ وَلوَفْرَةِ انْشِغالِهِ وَأَشْغالِهِ، وَمَعَ هذا كُلَّهِ؛ فَقَدْ أَجابَ عَلَى مُكالَمَتِي، وَبَعْدَ السَّلامِ وَالدُّعاءِ - كَعَادَتِنا - اعْتَذَرَ شَيْخُنا ﵀ مِنَّي عَنْ تأَخُّرِ انْتِهاءِ العَمَلِ في هذا الكِتَابِ - وَهَذا مِنْ أَخْلاقِهِ العالِيَةِ -؛ فَقُلْتُ لَهُ: إنَّ اتِّصالِيَ - يا شَيْخَنا - هُوَ مِنْ أَجْلِ أَن أُهَنَّئَكُمْ عَلَى حُصُولِكُمْ عَلَى جائِزَةِ المَلِكِ فَيْصَلٍ ﵀ في الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ؛ فَقالَ لِي - بِكُل خُشُوع وَتَواضُعٍ -: "بَشَّرَكَ اللهُ بالخَيْرِ، وَادْعُ اللهَ أَنْ يُبَشَّرَنا بِدُخُولِ الجَنَّةِ".
1 / 3
رَحِمَ اللهُ شَيْخَنَا رَحْمَةً وَاسِعَةً، وَضَاعَفَ لَهُ في حَسَنَاتِهِ، وَأَدْخَلَهُ فَسِيحَ جَنَّاتِهِ، وَجَمَعَنا اللهُ وَإيَّاهُ في جَنَّاتٍ وَنَهَر؛ في مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِر.
وَلا أَنْسَى في نِهَايَةِ هَذِهِ المُقَدِّمَةِ؛ أَنْ أَتَقَدمَ بالشُّكْرِ الجَزِيلِ لِكُل مَنْ كانَ لَهُ يَدٌ - مِنْ إخْوانِنا طَلَبَةِ العِلْمِ - لِمَا كانَ لَهُمْ مِنْ جُهُودٍ مُمَيَّزَةٍ في إخْراجِ هَذا السَّفْرِ العَظِيمِ المُبارَكِ.
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَنْفَعَ بهذا الكِتَابِ إخْوانَنا المُسْلِمِين، في مَشارِقِ الأَرْضِ وَمَغارِبِها، وَأَنْ يَرْحَمَ شَيْخَنا الألبانِيَّ رَحْمَةً واسِعَةً.
كَتَبَهُ
عَبدُ اللهِ بنُ حَسَنٍ الصُّمَيعِيُّ
(دار الصُّمَيعيِّ للنَّشْر وَالتّوْزِيعِ)
الرَّياض ١/ ٩/ ١٤٢١ هـ ـ
1 / 4
مقدمة
إِن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإني - انطلاقًا من مشروعي الكبير "تقريب السنَّة بين يدي الأمة"، واستمرارًا في العمل فيه، وإخراج ما يمكن إخراجه منه إلى إخواني المؤمنين حتى آخرَ رمق من حياتي -؛ فإني أقدِّم اليوم:
"صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان"
وليس يخفى على أهل العلم أهميةُ كتاب "الموارد"؛ وذلك لأن مؤلِّفه الحافظ الهيثمي - رحمه الله تعالى - قد استصفى فيه الأحاديث الزائدة على أحاديث "الصحيحين" من كتاب "صحيح ابن حبان" ﵀، الذي كان قد تفنَّن في ترتيبه ترتيبًا غريبًا بقصدٍ حسنٍ، وهو حضُّ طلاب العلم على حفظه كما يحفظون القرآن الكريم؛ لِتسهيل الرجوع إليه عند الحاجة! ترتيبًا فريدًا لم يُسبق إليه، وسماه: "المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع، من غير وجود قطع
1 / 5
في سندها، ولا ثبوتِ جرحٍ في ناقليها" كما ذكر في مقدمته (١).
ولهذا الترتيب الغريب - غير المطروق - تتابع العلماء على التصريح بِعُسْر الانتفاع به؛ كالحافظ الذهبي، والحافظ العسقلاني، والإمام السيوطي، والشيخ أحمد شاكر ﵏ جميعًا - (٢)؛ خلافًا لمن عاند، وكابر، وشغّب من المعاصرين الذي لا يستفيد من علم المتقدمين إذا خالف ما يظنه أنه من العلم، وإنما هو مجرد الإجلال، والإكبار، والتقليد لأحد الكبار، والدفاع عنه بغير علم، ولا كتاب منير (٣).
من أجل ذلك؛ جاء من بعده الأمير علاء الدين أبو الحسن علي بن بَلْبَان الفارِسيُّ المصري الحنفي (ت ٧٣٩)، فرتّبه على الكتب والأبواب، فكان عملًا جليلًا حقًّا؛ قرَّب الكتاب لطالبيه، وحافظ على أصله بدقة الرجل العالم الثقة الأمين، كما قال محققه الشيخ أحمد شاكر ﵀ في مقدمته عليه (١/ ١٧).
وقد تبعه الحافظ الهيثمي في تيسير الانتفاع بكتابه "موارد الظمآن"، فرتبه - أَيضًا - على الكتب والأبواب الفقهية؛ كما نص عليه في المقدمة، ولكنه لم يلتزم فيها ما التزمه الأمير علاء الدين من المحافظة على كتب وأبواب أصله، وإنما ترجم لأحاديثه بما أداه إليه اجتهاده من الكتب والأبواب.
وإن مما لا شك فيه أن هذا الترتيب - دون أي شك - أنفع لعامّة الناس، وأيسر للاستفادة والتفقه والمراجعة، ولذلك قيل: فقه البخاري في تراجم أبوابه في "صحيحه"، فلا جرم أنَّه سار على هذا الدرب كبار الأئمَّة والحفاظ؛
_________
(١) انظر "صحيح ابن حبان" - تحقيق الشيخ العلامة أحمد شاكر ﵀ (١/ ٩، ١٥، ١١١)، و"النكت الظراف" للحافظ ابن حجر (١/ ٢٩١).
(٢) انظر "سير الأعلام" للذهبي (١٦/ ٩٧)، وأحمد شاكر (١/ ١٦).
وقال الحافظ: "رام تقريبه؛ فبعّده! "؛ نقله السخاوي (٢/ ٣٤٢).
(٣) انظر مقدمة "موارد الظمآن" للأخ حسين سليم الداراني (١/ ٤٢).
1 / 6
كأصحاب الكتب الستة، وابن خزيمة في "صحيحه"، وابن الجارود في "المنتقى" وغيرهم.
بل إني أقول: إنه هو الأوفق للشرع، والمتجاوب مع أمره ﷺ: "يسروا، ولا تعسروا ... "، متفق عليه، وهو مخرج في "الصحيحة" (١١٥١).
تقويمي لكتاب "زوائد الموارد"
وإذا كان من المعروف عند أهل العلم أن للفرع حكم الأصل إيمانًا وكفرًا، وصحة وضعفًا ما لم يعرض للفرع عارض يخرجه عن أصله، ويلحقه بنقيضه، كما يشير إلى ذلك قول النبي ﷺ: "ما من مولود إلاَّ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه، كما تنتجون البهيمة، هل تجدون فيها من جدعاء؟! حتى تكونوا أنتم تجدعونها"، متفق عليه، واللفظ للبخاري "الإرواء" (٥/ ٤٩ - ٥٠).
فلقد تكلّم علماؤنا ﵏ في "صحيح ابن حبان" في كتب "المصطلح" وغيرها كثير، كلٌّ حسب بحثه واجتهاده، وتوسع في ذلك بعض المتأخرين والمبالغين في تقديره وتبجيله، وبخاصة منهم العلامة الفاضل الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله تعالى -، ولذلك فإني سوف لا أُثقل على المقدمة ببسط أقوالهم في ذلك ومناقشتها؛ فإن ذلك يتطلب مني فراغًا ووقتًا وتأليفًا لكتاب خاص في الموضوع، الأمر الذي لا أستطيعه، وأنا في صددها، والكتاب تحت الطبع.
ولذلك؛ فإني سألخّص أقوالهم بقدر ما يمكنني من التلخيص، ثم أتوجه لبيان ما هو المختار والمصطفى عندي دون أن أقلد في ذلك أحدًا، أو أداريه، أو أن أُوخذَ بسيف الرهبة، أو المفاخرة، أو المصلحة التجارية؛ كما بدا لي أن بعض المعاصرين لي فعله!
1 / 7
وابتداءً أقول:
لست بحاجة إلى أن أنمِّق كلمات في الثناء على حافظنا (محمد بن حِبّان البستي)؛ فإنه - والحمد لله - من المتفق عليه بين العلماء والحفاظ على إجلاله، واحترامه، وحفظه، وثقته، ونبوغه، ويكفينا في ذلك قول الحافظ الذهبي المشهود له بالحفظ، والنقد، والمعرفة بمقادير الرجال ومنازلهم، لا تأخذه في ذلك لومة لائم أَنَّه:
"الحافظ، الإمام، العلامة ... الثقة في نقله ... " (انظر "تذكرة الحفاظ" (٣/ ٢٩٠)، "المغني" (٥٦٤/ ٥٣٧٨) - وغيرهما -).
ذلك لأن بحثي ليس في شخصه، وإنما هو في كتابه "التقاسيم والأنواع" الذي منه كتابنا "موارد الظمآن"؛ حتى أتمكّن من تحقيق ما قصدت إليه من (التقويم) المشار إليه، فأقول:
أولًا: لقد صنفه بعض الحفاظ في المرتبة الثالثة من بين الكتب التي التزم مؤلفوها الصحة، فقالوا:
١ - "الصحيحان".
٢ - "صحيح ابن خزيمة".
٣ - "صحيح ابن حبان"، انظر مقدمة الشيخ أحمد شاكر عليه (١/ ١١ - ١٤).
وقال الحافظ ابن كثير - فيه، وفي "صحيح ابن خزيمة" -:
"هما خير من "المستدرك" بكثير، وأنظف أسانيدَ ومتونًا": "اختصار علوم الحديث" (١/ ١٠٩ "الباعث الحثيث").
ثانيًا: وصفه بعضهم بالتساهل في التوثيق والتصحيح، وقرنوه في ذلك أو كادوا بالحاكم، فقال الحافظ ابن الصلاح في "المقدمة"، والعراقي في شرحه
1 / 8
عليه (ص ١٨ - حلب):
"إنه يقارب الحاكم في التساهل، لكن هذا أشد تساهلًا منه".
وقال الحافظ ابن عبد الهادي تلميذ ابن تيمية في صدد رده على السبكي تقويته لحديث في الزيارة النبوية في إسناده من وثقه ابن حبان:
"ليس فيه ما يقتضي صحة الحديث الذي رواه، ولا قوته، وقد عُلم أن ابن حبان ذكر في هذا الكتاب الذي جمعه في الثقات عددًا كثيرًا، وخلقًا عظيمًا من المجهولين الذين لا يعرف هو - ولا غيره - أحوالهم، وقد صرح ابن حبان بذلك في غير موضع من هذا الكتاب ... " (١).
ثالثًا: نقل الحافظ الذهبي عن الإمام أبي عمرو بن الصلاح أنه قال في ابن حبان:
"غلط الغلط الفاحش في تصرفه".
فعقب عليه الذهبي بقوله:
"وصدق أبو عمرو، وله أوهام كثيرة، تتبع بعضها الحافظ ضياء الدين".
وأقره الحافظ ابن حجر في "اللسان" (٥/ ١١٣).
وذكر الذهبي في ترجمته من "سير أعلام النبلاء" (١٦/ ٩٧): "أن في "تقاسيمه" من الأقوال، والتأويلات البعيدة، والأحاديث المنكرة: عجائب" (٢).
_________
(١) "الصارم المنكي" (ص ٩٢ - ٩٣). ونحوه في مقدمة "لسان الميزان" لابن حجر (١/ ١٤ - ١٥).
(٢) قلت: علق عليه الشيخ شعيب بما يدل على أنه لم يفهم مراد ابن عبد الهادي، أو أنه لواه، وصرفه عما قصد إليه؛ لأنه إنما يعني منهج ابن حبان في كتابه، وليس "ما يخطئ فيه البشر، وما لا يخلو منه عالم محقق"! كما زعم! وهو - على كل حال - تحوير منه لقول الشيخ أحمد ﵀ الآتي بيان ما فيه قريبًا - إن شاء الله -.
1 / 9
إذا عرف ما ذكرت؛ فإني أرى أنه لا منافاة بين الاجتهادات والأقوال المذكورة، وذلك بعد ممارستي - والحمد لله - لهذا العلم الشريف، والتزامي لقواعده التي وضعها أساطين الحفاظ والعلماء، واستعانتي بهم على تطبيق الجزئيّات على الكليات، والفروع على الأصول، واستفادتي من تجارِبهم وممارستهم إياه أكثر من نصف قرن من الزمان، فأقول:
أولًا: هو بحق - كما ذكروا - في المرتبة الثالثة بعد "الصحيحين"، وذلك لغزارة مادته، وكثرة أحاديثه التي بلغ عددها نحو (٧٥٠٠) (١)، والأحاديث التي انتقدتها منه بواسطة "الموارد" لا تبلغ الأربع مئة - فيما يبدو - حتى الآن؛ لأننا لم ننته بعد من تصحيح تجارب "الضعيف" منه؛ أي: بنسبة خمسة في المئة تقريبًا، لكن ينبغي أن لا ننسى أن النسبة يمكن أن ترتفع؛ لأن قسمًا كبيرًا من "الصحيح" لم نورده في "الضعيف" لمتابعات وشواهد قويناه بها؛ وإلاَّ فهي ضعيفة الأسانيد، كما سيأتي التنبيه على ذلك - إن شاء الله تعالى -.
ثانيًا: هو متساهل في التوثيق والتصحيح دون ما شك أو ريب، وهو مما سيأتي تفصيل القول فيه - بإذنه - تعالى -.
ثالثًا: الأحاديث المنكرة فيه، يلتقي تمامًا مع ما قبله، وبخاصة إذا فُسَّرَ الحديث المنكر بما تفرد به الضعيف، سواءً خالف أو لم يخالف - كما هو مذهب أحمد وغيره -.
والذي يهمني في هذه المقدمة؛ إنما هو تحقيق القول في تساهله المذكور، وتقويم مصدريه، إلاَّ وهما كتاباه "الثقات"، و"الصحيح"؛ لأنه عليهما قام كتاب "موارد الظمآن"، فأقول:
_________
(١) وهو - على التحديد؛ كما في طبعة المؤسسة -: (٧٤٩١)؛ وهو - في طبعة دار الكتب العلمية/ بيروت -: (٧٤٤٨).
والأول أدق، وأصح، وأوثق.
1 / 10
(الفصل الأول): تقويم كتاب "الثقات"
ابتداءً؛ يكفينا الاستشهاد على تساهله فيه قول أعرَف الحفاظ بالرجال بعد الحافظ الذهبي؛ ألا وهو الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني ﵀؛ فإنه قال في مقدمة كتابه "لسان الميزان" (١/ ١٤):
"قال ابن حبان: من كان منكر الحديث على قلته؛ لا يجوز تعديله إلَّا بعد السبر، ولو كان ممن يروي المناكير، ووافق الثقات في الأخبار؛ لَكان عدلًا مقبول الرواية، إذ الناس في أحوالهم (١) على الصلاح والعدالة؛ حتى يتبين منهم ما يوجب القدح، هذا حكم المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلاَّ الضعفاء، فهم متروكون على الأحوال كلها".
قال الحافظ عقبه:
"قلت: وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان؛ من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه؛ كان على العدالة إلى أن يتبين جرحه: مذهب عجيب، والجمهور على خلافه، وهو مسلك ابن حبان في "كتاب الثقات" الذي ألَّفه؛ فإنه يذكر خلقًا ممن نص عليهم أبو حاتم - وغيره - على أنهم مجهولون، وكأَن عند ابن حبان أن جهالة العين ترتفع برواية واحد مشهور، وهو مذهب شيخه ابن خزيمة، ولكن جهالة حاله باقية عند غيره، وقد أفصح ابن حبان بقاعدته، فقال:
(العدل من لم يعرف فيه الجرح؛ إذ التجريح ضد التعديل، فمن لم
_________
(١) الأصل: "أقوالهم"! والتصويب من "الضعفاء" (٢/ ١٩٢ - ١٩٣).
1 / 11
يجرح؛ فهو عدل حتى يتبيّن جرحه؛ إذ لم يكلف الناس ما غاب عنهم) (١).
قال الحافظ - عَقِبَهُ -:
"وقال في ضابط الحديث الذي يحتج به: (إذا تعرَّى راويه من أن يكون مجروحًا، أو فوقه مجروح، أو دونه مجروح، أو كان سنده مرسلًا، أو منقطعًا، أو كان المتن منكرًا) (٢).
هكذا نقله الحافظ شمس الدين ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي"، وقد تصرف في عبارة ابن حبان، لكنه أتى بمقصده، وسياق بعض كلامه في (أيوب) - آخِرِ مذكور في حرف الألف -.
قال الخطيب: أقل ما يرتفع به الجهالة أن يروي عن الرجل اثنان فصاعدًا من المشهورين بالعلم؛ إلاَّ أَنَّه لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما".
قلت: ونص كلام ابن حبان ﵀ في مقدمة كتابه "الثقات" (١/ ١١):
"ولا أذكر في هذا الكتاب إلاَّ الثقات الذين يجوز الاحتجاج بخبرهم".
ثم أكد ذلك بقوله (ص ١١ - ١٢):
"فكل من أذكره في هذا الكتاب؛ فهو صدوق يجوز الاحتجاج بخبره إذا تعرى خبره عن خصال خمس، فإذا وجد خبر منكر عن واحد ممن أذكره في كتابي هذا؛ فإن ذلك الخبر لا ينفك من إحدى خمس خصال: إما أن يكون فوقه رجل ضعيف، أو دونه، أو يكون إسناده مرسلًا، أو منقطعًا، أو فيه رجل مدلس لم
_________
(١) قلت: هذا كلام ابن حبان في مقدمة "الثقات" (١/ ١٣).
(٢) الذي في مقدمة "الثقات" (١/ ١٢) - مكان الخصلة الخامسة -: "أو أن يكون في الإسناد رجل يدلس لم يبين سماعه".
وهكذا هو في "الصارم المنكي" (٩٣ - ٩٤)، وليس فيه قوله: "راويه من أن يكون مجروحًا"! وهو خطأ - كما سأبيَّنه -.
1 / 12
يبين سماعه". انتهى باختصار.
فكنت أود أن ينقله الحافظ مع ما نقل؛ لأنه أعم وأشمل في بيان منهج ابن حبان في "ثقاته" أولًا، ثم هو يبين خطأ ما نقله عن ابن عبد الهادي ثانيًا؛ إذ ليس فيه: "راويه من أن يكون مجروحًا" - كما تقدم -؛ لأن الخصال الخمس هي عنده في غيره كما هو ظاهر؛ لأنه عنده ثقة يحتج بخبره إذا سلم إسناده من خصلة من تلك الخصال الخمس، وما يقع مثل هذا الخطإ إلاَّ من التلخيص، وسرعة النقل! ومن الغرائب أن الحافظ السخاوي قد نقله عن شيخه الحافظ ابن حجر، لكن بعبارة أخرى في صدد بيان اصطلاح ابن حبان في "صحيحه"؛ نصها في "فتح المغيث" (١/ ٣٧):
"فإنه يخرّج في "الصحيح" ما كان راويه ثقة، غير مدلس، ولم يكن هناك إرسال، ولا انقطاع، ولم يكن في الراوي جرح ولا تعديل (!)، وكان كل من شيخه، والراوي عنه ثقة، ولم يأت بحديث منكر، فهو عنده ثقة".
قلت: فهذا خلط آخر ينسب إلى ابن حبان، وهو منه بريء، يدلك عليه أن أول المنسوب إليه هنا إنما هو في شروط الحديث الصحيح، وآخره فيمن هو الثقة عنده!
والأول هو الذي يدلُّ عليه كلامه الذي نقلته عنه آنفًا؛ أن الشروط المذكورة إنما هي في حديث الثقة عنده، وليس فيمن هو الثقة؟ فتأمل!
والظاهر أن الحافظ السيوطي تنبه لهذا الخطإ، فنقل ما عزاه السخاوي لابن حجر، لكن السيوطي لم يسمه؛ بل أشار إلى تمريضه بقوله في "تدريب الراوي" (١/ ١٠٨): "قيل ... "!
على أن قول الحافظ: "ولم يكن في الراوي جرح ولا تعديل" لا يستقيم مع كلام ابن حبان أولًا؛ لأنه غير مذكور في شروطه كما رأيت، وهذا مثل لو قال:
1 / 13
"مجهول"، وهذا ينافي من جهة أخرى قول ابن حبان المتقدم: "العدل من لم يعرف فيه الجرح ... " إلخ، فمن ليس فيه جرح؛ فهو عنده عدل، ولذلك انتقده الحافظ - كما سبق -، فكيف يدخل في شروطه التي ينبغي أن يكون إسناد الثقة عنده سالمًا منها من كان عنده ثقة عدلًا؟! والصواب أن يذكر مكانه: "ضعيف" - كما تقدم في نص ابن حبان - نفسه -.
ثم إن قول الحافظ: "ولم يأت بحديث منكر" ينبغي أن يُحمل على أحد رواة إسناد الثقة عنده، وليس كما فهمه بعض الجهلة المدعين المعرفة بهذا العلم؛ حيث قال:
"يَشترط ابن حبان في الراوي الذي يكون ثقة - حسب تعريفه - أن لا يأتي بخبر منكر؛ لكي يدخله في (الثقات) " (١)!!
وعزا ذلك في الحاشية لكتاب "فتح المغيث"، و"تدريب الراوي" بالجزء والصفحة، وهو كذب عليهما! وهو مما يؤكد جهله وقلة علمه؛ فإنه ليس من شرط الثقة أن لا يروي حديثًا منكرًا؛ لأن معنى ذلك أن يكون معصومًا من الخطإ، وهل يقول هذا عاقل يفهم ما يلفظه لسانه، أو يجري قلمه؟! وإنما يكون شرطًا فيه أن لا تكثر المناكير في رواياته، ولذلك فرقوا بين من قيل فيه: "يروي المناكير"، وبين من قيل فيه: "منكر الحديث"، فهذا ضعيف بخلاف الأول، وقد سبق (ص ١١) في كلام ابن حبان ما يشهد لهذا التفريق، وهو أمر معروف في علم المصطلح.
ومعذرة إلى القراء الكرام؛ فقد ابتعدت قليلًا عن موضوع البحث بسبب
_________
(١) انظر "إقامة البرهان على ضعف حديث: (استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان) " للمدعو خالد أحمد المؤذن؛ وفيه أوهام وجهالات؛ لو تفرغ له عالم ناقد؛ لَكان منه مجلد، وما ذكرت الآن كافٍ - إن شاء الله تعالى -.
1 / 14
بيان بعض الأوهام التي وقعت حول مذهب ابن حبان في كتابه "الثقات".
ومجمل القول فيه: أنه شذ في تعريفه (العدل) بأنه من لم يعرف بجرح عن الحفاظ الذين دُوِّنَتْ أقوالهم في مبسوطات كتب العلماء، ولخصت فوائدها في (علم مصطلح الحديث)، الذي صار مرجعًا لكل باحث متبع، لا يحيد عنه إلاَّ ذو هوى ومبتدع، أو جاهل مُدّعٍ مغرض، كما شذ في قوله أنه لم يذكر في "ثقاته" إلَّا الذين يجوز الاحتجاج بخبرهم؛ بل إنه تناقض في ذلك كل التناقض، وهاك البيان:
١ - أما شذوذه في تعريف (العدل)؛ فقد اتفق العلماء على أن (العدل):
هو المسلم البالغ، العاقل الذي سلم من أسباب الفسق، وخوارم المروءة، على ما حقق في (باب الشهادات) من كتب الفقه؛ إلاَّ أن الرواية تخالف الشهادة في شرط الحرية، والذكورة، وتعداد الراوي.
هذا نص كلام الشيخ أحمد شاكر ﵀ في "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث" لابن كثير (ص ١٠٢ - بتحقيقه)، آثرته بالذكر؛ لأنه من المبالغين في الاعتداد بِـ "الثقات" كما يدل عليه تعليقاته في "صحيح ابن حبان"، و"مسند أحمد"، و"سنن الترمذي" وغيرها، ولي معه في ذلك قصة؛ لعلِّي حكيتها في بعض ما كتبت، فإنْ تذكرت مكانها؛ أشرت إليه.
وكأني بشيخ الإسلام ابن تيمية عنى ابن حبان بالرد عليه بقوله في "الفتاوى" (٥/ ٣٥٧):
"وأما قول من يقول: الأصل في المسلمين العدالة؛ فهو باطل؛ بل الأصل في بني آدم الظلم والجهل؛ كما قال تعالى: ﴿وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ ومجرد التكلم بالشهادتين لا يوجب انتقال الإنسان من الظلم والجهل إلى العدل".
1 / 15
وله تفصيل جيد جدًّا في من تقبل شهادته، فليراجعه من شاء استفادته.
٢ - وأما تناقض ابن حبان في (العدل)؛ فقد قال في شروط رواة "صحيحه" - كما في مقدمته المذكورة في طبعات "الإحسان" (١/ ١١٢ - شاكر) -:
"والعدالة في الإنسان: هو أن يكون أكثر أحواله طاعة الله؛ لأنا متى ما لم نجعل العدل إلَّا من لم يوجد معه معصية بحال؛ أدَّانا ذلك إلى أن ليس في الدنيا عدل؛ إذ الناس لا تخلو أحوالهم من ورود خلل الشيطان فيها".
قلت: فهذا يلتقي تمامًا مع تعريف العلماء للعدل؛ فإنه التزم فيه التعرف على أحواله في طاعة الله، وابتعاده عن معاصيه؛ إلاَّ أنه استثنى منها ما لا ينجو منه أحد، فبطل بذلك قوله: أن العدل من لم يعرف بجرح!
على أنه تناقض مرَّة أخرى؛ فإنه لم يفِ بالتزام هذا الشرط في "صحيحه"، ولا بالشروط الأخرى التي ذكرها معه - وقد سبق ذكرها في الكثير من أحاديثه -، خلافًا لمن قال بأنه وفَّى - كما سيأتي بيان ذلك عند الكلام على "صحيحه" إن شاء اللَّه تعالى -.
إخلال ابن حبان في "ثقاته" بشرط الصدق:
وإنما عليَّ الآن الإتيان بالدليل القاطع على إخلاله بشرطه المتقدم أنه لا يذكر في "ثقاته" إلاَّ الصدوق الذي يجوز الاحتجاج بخبره، فضلًا عن ذكره فيه عشرات - إن لم أقل: مئات الضعفاء والمجهولين عنده هو - بَلْهَ عند غيره -، ثم أتبع ذلك ببيان تناقضه من كلامه هو - عفا الله عنا وعنه -.
أما من أخلَّ بشرطه فيهم؛ فهم على قسمين:
الأول: المجهولون الذين صرح بأنه لا يعرفهم، وقد كنت ذكرت نماذج منهم لا بأس بها في بعض المؤلفات؛ مثل "تمام المنَّة" (ص ٢٠ - ٢٥) تحت
1 / 16
عنوان "القاعدة الخامسة: عدم الاعتماد على توثيق ابن حبان" (الطبعة الثانية/ سنة ١٤٠٨)، و"الرد على التعقيب الحثيث" (ص ١٨ - ٢١)، وغيرهما (١).
ولذلك فلا أريد أن أثقل على هذه المقدمة بذكرها إلاَّ بما لا بد منه؛ لتقريب الأمر وتوضيحه، ثم أتبع ذلك بأمثلة أخرى هي أقوى منها، لم يسبق لي أن ذكرتها، ولا غيري - فيما أعلم -:
المثال الأول: (حميد بن علي بن هارون القيسي)، ذكر له بعض المناكير، ثم قال: "فلا يجوز الاحتجاج به بعد روايته مثل هذه الأشياء عن هؤلاء الثقات، وهذا شيخ ليس يعرفه كبير أحد".
ومثله كثير، وكثير جدًّا ممن يقول فيهم عبارته التقليدية: "لا أعرفه"، ويزيد تارة: "ولا أعرف أباه".
_________
(١) طُبع هذا الرد سنة (١٣٧٧ هـ)؛ أي: قبل نحو أربعين سنة، وفي ظنّي أنني كنت - في العصر الحاضر - من أشاع بين طلاب العلم حقيقة توثيق ابن حبان: كتابة، ومحاضرة، وتدريسًا في (الجامعة الإسلامية) في المدينة النبويّة، وفي المجالس العلمية وغيرها؛ حتى تنبّه لذلك من طلاب العلم مَنْ شاء الله.
ثم ابتلينا ببعضهم ممن جازانا (جزاء سِنّمار)! فنسبني إلى قلة الفهم لتوثيق ابن حبان، والاضطراب فيه، مع تظاهره بالاحترام والتبجيل! لكن القول لا يغني عن العمل: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾؟!
وإن من جنفه وظلمه: أنه أخذ تخريج الحديث الذي انتقدني فيه - بجميع طرقه ورواياته - من تخريجي إياه في "الصحيحة"؛ دون أن يشير إلى ذلك أدنى إشارة؛ حتى أوهم القراء - ومنهم من قَرَّظ كتابه من إخواننا الدعاة السلفيين - أنه من كدِّه وعرق جبينه! والله ﷿ يقول: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾، وهو - مع ذلك - حَوَّاش قمّاش، لم يتحصرم بعدُ! حشى كتابه وضخَّمه بنقول، لم يفهم الكثير منها، وكان التناقض في بعضها جليًّا، الأمر الذي يتطلب بيانه مجلدًا ضخمًا، وهو - في النهاية - مخطئ في تضعيفه للحديث الذي جوَّدت إسناده ثمة (١٤٥٣)، والرد عليه وبيان أوهامه! وذلك يتطلب كتابة مجلد (وهذا الميت لا يستحق هذا العزاء)؛ كما يقال في بعض البلاد.
1 / 17
وقد أحصيت منهم حتى الآن في كتابي الجديد "التيسير" (١) قرابة مائة راوٍ، والحبل جرار!
المثال الآخر: (عبد الله بن أبي يعلى الأنصاري)، قال:
"مجهول، لا أعلم له شيئًا غير هذا الحرف المنكر الذي يشهد إجماع المسلمين قاطبة ببطلانه".
وأمَّا الأمثلة الأخرى - والأقوى - التي أشرت إليها آنفًا؛ فأكتفي منها بمثالين - أيضًا -:
الأول: قال (٥/ ٤٧٢):
" (نافع)، شيخ، جهدت جهدي، فلم أقف على (نافع) هذا؛ من هو؟ "!
والآخر: (فرع شهيد القادسية)، قال: (٧/ ٣٢٦):
"لست أعرفه، ولا أعرف أباه، وإنما ذكرته للمعرفة، لا للاعتماد على ما يرويه"!
قلت: وهذا منه نص هام جدًّا جدًّا، وشهادة منه - لا أقوى منها - على أن كتابه "الثقات" ليس خاصًّا بهم، وإنما هو لمعرفتهم، ومعرفة غيرهم من المجهولين، والضعفاء ونحوهم -؛ فهو يبطل إبطالًا لا مرد له كُلِّيَّتَهُ المتقدمة:
أن كل من ذكره في كتابه "الثقات" صدوق، يجوز الاحتجاج بخبره! ومثله في الدلالة على إبطاله قوله المتقدم في ترجمة (حميد بن علي القيسي).
_________
(١) "تيسير انتفاع الخلان بثقات ابن حبان"؛ رتبته على الحروف؛ مع اختصار شيوخ المترجمين، والاحتفاظ بأسماء الرواة عنهم - ولو بواحد منهم -؛ مع الإشارة إلى غيره إذا وجد، والحرص على ذكر ما قاله المؤلف فيهم - وهذا منه نادر -، وكذا الاحتفاظ على طبقاتهم؛ مع فوائد وتعليقات رائقات؛ غالبها يتعلق بالتوثيق والتجريح؛ وهو على وشك التمام، أو قد تمَّ - إِن شاء الله تعالى -.
1 / 18
غير أَنَّ هذا النصَّ زاد عليه أنه أعلمنا أنه يذكر هؤلاء للمعرفة، لا على أنهم من الثقات الذين يحتج بخبرهم عنده.
القسم الآخر ممن أخل بشرطه: من صرح هو بضعفه، أو بما يعنيه، أو يؤدي إليه:
١ - (مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام)، قال في آخر ترجمته (٧/ ٤٧٨):
"وقد أدخلته في "الضعفاء"، وهو ممن أَستخير الله فيه".
٢ - (مالك بن سليمان بن مرة النهشلي الهروي)، قال فيه (٩/ ١٦٥):
"يخطئ كثيرًا، على أنه من (١) جملة الضعفاء أدخل - إن شاء الله -، وهو ممّن أستخير الله فيه".
وقد فعل، فأدخلهما في "الضعفاء".
وأما ما في معناه؛ فهو على أنواع:
الأول: من قال فيه: "يخطئ كثيرًا"، وهم نحو عشرة، غير (مالك بن سليمان) المتقدم، وبعضهم في "الصحيحين"، فضلًا عن "صحيحه" هو، وسأورد منهم اثنين، هما بالضعفاء أولى:
أحدهما: (ربيعة بن سيف المعافري)، قال فيه (٦/ ٣٠١):
"كان يخطئ كثيرًا" (٢).
ومع ذلك أخرج له في "صحيحه" حديث: "لو بلغت معهم الكدى؛ ما
_________
(١) كذا الأصل! وفي "ترتيب الثقات" للهيثمي: "في"؛ ولعله أقرب.
(٢) تناقض فيه قول الشيخ شعيب في تعليقه على "الإحسان"؛ وفي المجلد الواحد! فمرةً ضعّفه، وأخرى صدّقه! كما سيأتي في "الجنائز".
1 / 19
رأيت الجنة حتى يراها جدك؛ أبو أبيك"! وهو حديث منكر كما حققته في "ضعيف أبي داود" (٥٦٠)، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - في آخر (٦ - الجنائز) من "ضعيف الموارد" على أنه من الزوائد.
والآخر: (يزيد بن درهم العجمي)، قال فيه (٥/ ٥٣٨):
"يخطئ كثيرًا".
وقد ضعفه المغيرة وغيره -؛ كما في "تيسير الانتفاع" وغيره.
ومثل هذا النوع من الرواة؛ قد أورد منهم عددًا وفيرًا في كتابه الآخر "الضعفاء"، أذكر اثنين منهم على سبيل المثال:
أحدهما: (أصبغ بن زيد الوراق الواسطي)، قال (١/ ١٧٤):
"يخطئ كثيرًا، لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد".
والآخر (بشر بن ميمون أبو صيفي الواسطي)، قال (١/ ١٩٢):
"يخطئ كثيرًا، حتى خرج عن حد الاحتجاج به إذا انفرد".
بل إنه قد يقول مثل هذا فيمن وصفه بالخطإ دون الكثرة فيه، مثل:
١ - (إسحاق بن إبراهيم بن نِسْطاس المدني)، قال (١/ ١٣٤):
"كان يخطئ، لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد".
٢ - (أيمن بن نابل المكي)، قال (١/ ١٨٣):
"كان يخطئ، ويتفرد بما لا يتابع عليه، وكان ابن معين حسن الرأي فيه، والذي عندي: تَنَكُّبُ حديثه عند الاحتجاج - إلَّا ما وافق الثقات - أولى من الاحتجاج به".
وهذا النوع الأخير كثير جدًّا في "ثقاته"؛ بحيث إنه من الصعب حصره،
1 / 20