عشت حرا وليس يسعد حر
طال عهد الأحرار بالإسعاد
هن ثلاث رصاصات رميت بإسبانيا، فجاوبت دويها بلاد الله في أوروبا وآسيا وأفريقا وأمريقا. ثلاث رصاصات رمتها حكومة متمدينة بمشهد من حكومات متمدينة، فقتلت رجلا متمدينا، حر أشقته حريته، عارف أجهدته معرفته، ومنصف أراده إنصافه. ذهبت خمسون سنة في سبيل الخير فحال الشر دون استمرارها، فلا السماء انشقت ولا نجومها تناثرت ولا الأرض مادت ولا أوتادها قلعت، ولكن هاج بنو الإنسان رحمة على ابن الإنسان.
لو قتل فرر قبل اليوم بعشرين سنة لما وجد عليه الناس هذا الوجد، ولبقي الجزع في قلوب من عرف حقيقته من بني جنسه وقليل من غيرهم، ولكن فرر آثر حب النوع على حب الجنس فكان أكثر الناس أحبة وأكثرهم نعاة.
أبى زعامة الفرد على الجمع، وكره أن يرى أناسا يرفلون في ثيابهم المخملة يجررون أسيافهم، وتخفق على رءوسهم خرق فوق قضبان يسمونا أعلاما، وإن تكثر حكومات الأرض من جمع هؤلاء في أزيائهم المضحكة لتقتل بهم أمثالهم. أنف أن يرى إخوته أبناء آدم يتنازعون أكنافا من الأرض ليست لهم ولا لغيرهم، ولكنها لكل الناس. سئم أن تشاد البنايات الشامخة يفرغ عليها الذهب وتزدان بالباهر من الزخرف، لتكون معابد يعبد فيها الله والله صاحبها من قبل ومن بعد.
فما يجزع على فرر سكان القصور العالية ولا المدخرون للذهب والفضة، ولا سراة الأقوام ولا الوزراء ولا كبار الموظفين، وإنما يجزع عليه المنفيون إلى أقاصي سبيريا حين يعض الحديد على سواعدهم، والمقيمون في ظلمات السجون في سائر أقطار الأرض؛ بل يبكي عليه من ذاقوا مرارة الظلم والاستبداد في أسر المستبدين من الناس.
الأرمني الذي قتل أقربوه في مذابح الأناطولي، والتركي الذي ألقي ذووه في لجج البوسفور، والعامل في أعماق الموانئ محروما من نور الشمس ولطف الهواء، والفقير الذي يحس بالفاقة ولا يتجاسر على شكايتها. كل يندب فرر كما كان فرر يندبهم.
مساكين أنصار الأحرار، يريدون أن يخلصوا العباد من الظلم فيقعون هم تحت الظلم. إذا تعلموا فبعلمهم ينفعون الناس، وإن أثروا فعلى المتربين ينفقون من ذلك الثراء، يتوجعون لأوجاع غيرهم ويرثون لشكايتهم، ولو شاءوا لعاشوا سعداء متمولين يمسون في نعمة ويغدون في أخرى، يودون لو تساوى الناس في الحظ على قدر المستطاع، وهم بعد ذلك يؤتى بهم إلى أماكن القصاص فيقتلون تقتيلا.
عجبا يسرح بازمير جاقيرجه لي وهو لص سارق قاتل معتد آثيم، تطلبه الحكومة بين الجذوع والصخور وفي الوديان وعلى الآكام، وقد قتل أربعمائة نفس ونهب أكثر من أربعمائة ألف جنيه، وأضرم المعامل والقرى، وأمكن شهواته من الأرواح والأموال فيخلص ، وإذا هو وقع غدا في أسر القانون حوكم وجيء له بمحام ينكر على المحكمة آثامه وجناياته، وإذا جرح ضمدت جراحاته ليشفى ويسأل بعد شفائه عما جنت يداه، ومثل فرر الذي أسس المدارس وأفاض الخير على بني الإنسان، وأحيا ميتة الآمال؛ يحاكم سرا ويقتل جهرا ولا تجدي في نجاته شفاعة الشفعاء.
يرجع البطل المغوار من إحدى غاراته يجرر وراءه الأسرى في الأغلال والأصفاد، وجنوده يدفنون القتلى على ذرى الهضاب، وكثيرا ما يبقونها في مستراد الضواري ومهبط القشاعم، فيدخل على رجل يتألق التاج على مفرقه ويهتز السرير بكبريائه فيقول: قتلنا كذا ونهبنا كذا وأحرقنا كذا، فتفتر له نواجذه فرحا ويتهلل وجهه سرورا، وتغدق عطاياه على القاتل الناهب المحرق، ويقام له تمثال تخطب أمامه الخطب وتنشد القصائد وتقام الأفراح.
অজানা পৃষ্ঠা