ولا يجوز أن يخرج خطابه سبحانه عن هذه الأقسام؛ لأنه حكيم، والحكيم لا يخاطب بخطاب لا يفهم منه فائدة أصلا؛ لكون ذلك عبثا قبيحا على ما ذلك مقرر في مواضعه من أصول الدين، كما ذكرنا؛ فإذا ورد الخطاب منه سبحانه محتملا لمعنيين أو أكثر، ومحتملا للمجاز وجب حمله على الحقيقة الشرعية؛ لأنها آخر الناقلين، وأقربها إلى الخطاب عهدا متى أمكن، فإن لم يمكن حمل على العرفية؛ لأنها ناقلة والحكم للطاري متى أمكن، فإن لم يمكن حمل على اللغوية؛ لأنها وضعت له في الأصل، فكان أولى بها متى أمكن، فإن لم يمكن حمل على المجاز حفظا للخطاب عن الضياع والإهمال الذي لا يجوز على الحكيم سبحانه كما قدمنا.
فصل:[في ترتيب أبواب أصول الفقه]
واعلم أن الواجب في الترتيب أن يبدأ بالكلام في الأوامر؛ لأن بها تثبت الأحكام الشرعية بأنفسها من دون اعتبار معنى.
ثم نتبعها بالنواهي؛ لأن بامتثال مقتضى النواهي يتم غرض الآتي بمقتضى الأوامر.
ثم نتبع ذلك بالكلام في الخصوص والعموم؛ لأنه لا يمكننا استعمالهما جميعا بعد علمنا بوجوب العلم بهما متى أمكن إلا بأن يبنى العام على الخاص.
ثم نتبع ذلك بالكلام في المجمل والمبين؛ لأنه يفيد مرادا منهما على الجملة يحتاج إلى بيان بعينه.
ونتبع ذلك بالكلام في الناسخ والمنسوخ؛ لأن الكلام فيهما يتعلق بالكلام في زوال مثل الأحكام الثابتة أولا بالنصوص المتقدمة، بالنصوص المتأخرة على وجه لولاه لكانت ثابتة، بشرط التراخي.
ثم نتبع ذلك بالكلام في أخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن أخباره تبنى في الصحة والقبول على كلام الله سبحانه.
ثم نتبع ذلك بالكلام في الأفعال؛ لأنها لا يلزم الإمتثال لها إلا بدليل من القول، فكان تقديم الأقوال أولى، ولأن الأخبار تتعدى إلينا بأنفسها، والأفعال تفتقر إلى دليل.
পৃষ্ঠা ২৯