وصار مثال ذلك في الشاهد ما نعلمه من أن أحدنا لو وجب عليه
قضاء دين أو رد وديعة، وكان يتمكن من ذلك بفتح الباب، وإخراج المال، وتلحقه بعض مشقة، فإنه يقبح منه انتظار من يتحمل منه مؤنة هذه المشقة، ولا تكون مؤنة الفتح له في ترك الرد والقضاء عذرا، وحق الله سبحانه ألزم من حق العباد، وعهده أمر أوجب، فما أقرب أمر بعض هذين الفنين من بعض، والله المستعان، وما ذكرنا من هذا الإحتجاج هو الذي قضت به أصول أصحابنا، فمن تأملها فضل تأمل علم ذلك، وقد كان من تقدم من آبائنا -صلوات الله عليهم- ومن تابعهم من علماء شيعتهم -رضي الله عنهم- وسعوا في هذين الفنين وصنفوا وأجملوا، وحققوا وجللوا ودققوا؛ فجزاهم الله عنا خيرا.
[الداعي للأئمة(ص) وعلماء شيعتهم -رضي الله عنهم- إلى التأليف]
والداعي لهم إلى ذلك شدة الرغبة في هداية العباد، والتعرض لما أعد الله سبحانه لمن هدى إلى طريق الرشاد، فصار المتعرض بعدهم لتصنيف كتاب، وتبيين خطاب، لا يجتني إلا من ثمارهم، ولا يمشي إلا في آثارهم، ولا يستضيء إلا بأنوارهم، ولولا أن من يعلم فضله -مع تفضيله من كان قبله- سعى في مثل هذا الشأن، ما جرينا في هذا الميدان، ونرجوا من الله سبحانه أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه، ولا يخليها من القصد المطابق لما يفهم من ظاهرها بحقه، حتى يستوي السر والعلانية فيعظم الأجر، ويجبر ثواب الطاعة مشقة الفعل، ولا يجعلنا من الأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
পৃষ্ঠা ২৩