قال: ما سد جوعتك، وستر عورتك، فإن كان دارًا غذاك، وإن كان فبخٍ بخٍ فلق من خبز وجرة من ماء، وأنت مسؤول عما فوق ذلك".
يقال من قل توقيه، كثرت مساوئه، أنشدنا الشيخ أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن الدهان المرتب بجامع المنصور، قال: أنشدنا الشيخ أبو علي محمد بن الحسين بن شبل لنفسه: [مجزوء الكامل]
ليس المصرُّ سعيدًا ... بلْ التقيُّ سعيدُ
طِلابُ مَا لَم تقْدرْ ... على النفوسِ شديدُ
والعجُزُ كثرُهُ فِكرٌ ... في فايتٍ لا يعودُ
وراحةُ القلب ملكٌ ... عِند الملوكِ رقودُ
في كل يومٍ جديدٍ ... رزقٌ يجيءُ ويعودُ
وروي أن أعرابيًا جاء إلى عمر بن الخطاب ﵁ فقال: [الرجز]
يا عمرَ الخيرِ جزيتَ الجنةَ ... أكْسُ بنياتِي وأمَّهُنَّهْ
وكُنْ لنا من الزمانِ جنَّة ... أقسْمُ باللهِ لتفعلُنَّهْ
فقال عمر إن لم أفعل تكن ماذا؟ فقال: [مخلع البسيط]
يكونُ عنّ حالي لتسألنَّ ... يومَ تكونُ الأعصياتُ هُنَّهْ
وموقِفْ المسؤولِ بينهُنَّ ... إمَّا إلى نارٍ وإمَّا جنَّهْ
فبكى عمر، حتى اخضلت لحيته وقال: يا غلام أعطه قميص لذاك اليوم لا لشعره، أما والله لا أملك غيره. كتب عمر بن عبد العزيز إلى الجراح بن عبد الله الحكمي: إن استطعت أن تدع مما أحل الله له ما تكون حاجزًا نفسه إلى الحرام.
قال بزرجمهر: إن كان شيء فوق الحياة فالصحة، وإن كان شيء مثلها فالغني، وإن كان شيء فوق الموت فالمرض، وإن كان شيءٌ مثله فالفقر بعض الشعراء [الطويل]
أعوذُ بكَ اللهم من بطرِ الغنَى ... ومنْ نهكةِ البلوى ومن ذلةِ الفقرِ
ومنْ أملٍ يرتدُّ بي كلَّ شارقٍ ... ويُرجعني منهُ بحظِّ يدٍ صفرِ
إذا لم تدنسني الذنوبُ بعارها ... فلستُ أبالي ما تشعثّ من أمري
قال عمر بن الخطاب ﵁: من نبل الفقر أنك لا تجد أحدًا يعصي الله ليفتقر فنظمه ابن المقفع. شعر: [الطويل]
دليلك إن الفقر خيرٌ من الغنى ... وإن القليلَ المالِ خيرٌ من المثري
لقاؤك مخلوقًا عصى الله بالغنى ... ولم ترى مخلوقًا عصى الله بالفقرِ
قال بعض الحكماء هيهات منك بالغنى إن لم ينفعك ما حويت. قيل لأبي الزناد: لم تحب الدنانير، والدراهم، وهي تدنيك ن النار: قال: وإن ادعني منها، فقد صانتني عنها. عن بعض الحكماء: من اصلح ماله، فق صان الأكرمين: الدين، والعرض، وفي منثور الحكم من استغنى كرم على أهله. قال عبد الحميد: كيف تبقى على حالتك، والدهر في إحالتك؟، ويقال: إن الدهر حسود لا يأتي على شيء إلا غمره. وقال آخر: الدنيا إن بقيت لك لم تبق لها، لشاعر: [الطويل]
ومنْ كلفتْهُ النفسُ فوقَ كفافِها ... فما ينقضي حتى المماتِ عناؤهُ
يُروى عن النبي ﷺ أنه قال: "إذا شئت أن تحيا غنيًا، فلا تكن على حالة إلا رضيت بدونها"، وعنه ﵇: "ما من عبد إلا بينه وبين رزقه حجاب، فإن قنع واقتصد أتاه رزقه، وإن هتك الحجاب لم يزده في رزقه". وقال المتدير:
إنّ القناعةَ والعفافَ ليغنيان عن الغنى ... وإذا صبرْتَ عنِ المنى فأشكرْ فقد نلتَ
قال مهنوز الشريف: العديم الأدب كالبنيان الخراب، الذي كلما كان أشد لغورته كان أشد لوجسته، وكالنهر اليابس، الذي كلما كان أعرض، وأعمق كان أشد لغورته، وكالأرض الجدية المعطلة، التي كلما طال خرابها ازداد نباتها غير المنتفع به، وصارت للهوام مسكنًا، حكى [٦٤] الأصمعي أن أعرابيًا قال لابنه: يا بني الأدب دعامة أيد الله بها أولى الألباب وحلية زين ها عواطل الأحساب، لشاعر: [المتقارب]
فما خلقَ الله مثلَ العقولِ ... ولا اكتسبَ الناس مثلَ الأدبِ
وما كرمُ المرءِ إلا التقى ... ولا حسبُ المرءِ إلا النسبُ
وفي الحلم زينٌ لأهل الحجى ... وآفة ذي الحلم طيشُ الغضبِ
1 / 32