قال: دخل البلاذري على أبي عيسى بن المتوكل، فسأله حاجة تعذرت عليه، فرأى البلاذري لأبي عيسى، وهو يتغمز من يعذر حاجته، والخمر في وجهه، ويصفر من الغم لذلك، فقال أبها الأمير حسبك، فقد، والله بان في وجهك الاغتمام يتعذر حاجتي، وذكرته، قول الشاعر:
يكادُ يخرجُ في ديباجِ أوجههم ... خوفُ الملامةِ حتى يقطرنِ دمًا
قال تميم بن نصر بن سيار لأعرابي: هل أصابتك تخمة قط؟ قال أما من طعامك فلا. وقال أحمد بن المعذل [البسيط]
وأنتم أهل بين الفضل نائلكم ... ستر علينا من المعروف ممدود
نرجو لباقيةِ الأيامِ باقيكم ... ومنْ مضى فهو موجود ومحمودُ
في ضده لبعض الشعراء.
يتباهونَ وخبزهم عددٌ ... وإدامهم ملحٌ إذا احتسدوا
وإذا ادعوا الخلافَ مكرمةٌ ... قاموا وإن يدعوا لها قعدوا
سأل أبو النواس أبي الشمقمق عن حاله فأنشده: [الخفيف]
كنتُ فيما مضى فتى أمدحُ الناس ... وأهجوُ وذاكَ ذلٌ ذليلْ
فأنا اليومُ ليسَ قولي إلا ... حسبنا الله وهو نعمَ الوكيلْ
قال له أبو النواس: يا ابن الزانية، قل لهذا يطعمك الخبز فبلغت الرشيد، فقال ليعلمن الزنديق أذاك سينفعه، فيعث إلة أبي الشمقمق بعشرة آلاف درهم، وأمر أن يجري عليه في كل شهر ألف درهم.
قال زيد بن الحباب ما رأيت سفيان الثوري ﵁ رضي عن السلطان إلا مرة واحدة، وذلك أنه خرج إلينا من منزله فقال: يا أيها الناس اعذروا السلطان، فإني ذبحت شاة. فما استطعت أن اعدل في تفرقتها بين قومي وجيراني.
نظر أعرابي إلى رجل يكتب دفترًا بخط دقيق، فقال إنك لعلي ثقة من الدهر. قال أمير المؤمنين على بن أبي طال كرم الله وجهه. من أحب أن ينظر إلى أحسن منظر فليأت منزل عمي العباس، يجد عبد الله أعلم الناس، وعبيد الله أسخى الناس، والفضل أفضل الناس.
وقع المأمون إلى أحمد بن هشام على رقعة رجل تظلم منه، أكفني أمر هذا وإلا كفيته أمرك. وقع السفاح إلى صاحب أرمينية، وقد بلغه شغبهم عليه، ونهبهم للمال الذي قبله اعتزل، عافاك الله عملنا لو عدلت لم يشغبوا، ولو قويت لم ينهبوا، لبعض الأعراب: [الطويل]
إذا لم تكن جلدًا على بدعِ الهوى ... غروفًا إذا شيء أمرتْ مرائرهُ
فمتْ واسترخْ فالموت من ذاك راحةٌ ... وتقطيع أسباب الذي أنت ذاكرهُ
دخل وفد من المسلمين على ملك الروم، وكانوا ثلاثة أحدهم مختضب بالوسمة عشرة آلاف دينار، والأبيض خمسة آلاف.
ولم يعط المختضب بالحناء، فقال له: ولم أعطيتهم ومنعتني؟ قال: لأن صاحب الوسمة ابتلى بالبياض فصبغه صبغًا رده إلى شبابه، والمحبوب المطلوب، وألطف الحيلة، وأما صاحب البياض لما ابتلي صبر، ولم يغير، فلم يحسن، ولم يسيء.
وأنا أنت فابتليت، فلا صبرت، ولا أحسنت، فما دبرت وهذا يدل على فساد رأي، وخلل في الطبيعة، ومن هذا عقله لا تصلح معه الصنيعة، ولما دخل الشعبي على ملك كابل، رآه مختضبًا بالحناء، فقال الملك لترجمانه، قل له: ما هذا الخضاب، وما دعاك إليه؟ فقال سنة سلفنا، فقال الملك ما أدري ما سنتكم، إلا أنه قد كان ينبغي لو خلفتم على هذه الخلقة أن تغيروها لبعضهم: [الكامل]
ودعُ المشيبِ شراستي وغرامي ... ورمى جفونِ العينِ بالشجام
ولقد حرصتُ بأن أورايَ شخصه ... عن مقلتي فرميتُ فير مرامي
فصبغتُ ما صبغ الزمانُ فلم يدمْ ... صبغي ودامتْ صبغةُ الأيام
لبعضهم: [الوافر]
إذا لبسوا عمائمهم ثنوها ... على كرمِ، وإن سفروا أناروا
يبيعُ وبشرى لهمُ سواهمُ ... ولكنْ بالطعانِ همُ نحارُ
إذا ما كنتَ جارَ بني عقيلٍ ... فأنت لأكرمُ الثقلينِ جارُ
في بعض من قلد أمانته على العمال: [الكامل]
إن الألى ولكَ حفظَ أمانةِ ... ما صادفوا بكَ حافظًا مأمونا
بكت الضياعُ من الضباعِ بأعينٍ ... أبكينَ من أنسأتهنَّ عيونا
ذكروا أنه لما أتي عبد الملك بن صالح وفد الروم، أقام على رأسه رجالًا لهم قصر وهام ومناكب، وأجسام وشعور، فينا هم يكلمونه، والبطريق جالس عنده، ووجه رجل من الذين اختارهم للمباهاة في قفا البطريق.
1 / 27