صارت جورجيا ومايا صديقتين على صعيدين؛ على الصعيد الأول كانتا صديقتين بصفتهما زوجتين، وعلى الصعيد الثاني كانتا صديقتين بشخصيهما. فعلى الصعيد الأول: كانتا تتناولان العشاء كل في منزل الأخرى. وكانتا تستمعان إلى حديث زوجيهما عن أيام المدرسة، وعن النكات والشجارات، والمؤامرات والكوارث، والمستقوين والمستضعفين، وعن زملائهم أو أساتذتهم المرعبين أو المثيرين للشفقة، وعن المكافآت والمواقف المخزية. سألتهما مايا عما إذا كانا متأكدين من أنهما لم يقرآ كل ذلك في كتاب. وقالت: «تبدو حكاياتكم كالقصص تماما ... قصص يرويها صبية عن المدرسة.»
فقالا إن تجاربهما هي كل ما تدور الكتب حوله. وعندما كانا يكتفيان من الحديث عن المدرسة، كانا ينتقلان إلى الحديث عن الأفلام والسياسة والشخصيات العامة والأماكن التي كانا قد سافرا إليها أو كانا يرغبان في السفر إليها. وحينها كان يصير باستطاعة مايا وجورجيا أن تنضما إليها في الحديث. لم يكن بن ورايموند يؤمنان بإقصاء النساء من الحديث. فقد كانا يؤمنان بأن النساء ذكاؤهن كالرجال تماما.
على الصعيد الثاني، كانت جورجيا ومايا تتحادثان في مطبخيهما، وهما تتناولان القهوة، أو كانتا تتناولان الغذاء في وسط المدينة. كان ثمة مكانان - مكانان فقط - تحب مايا تناول الغذاء فيهما. كان أحدهما حانة «موجولز كورت»؛ وهي حانة فخمة سيئة السمعة، في فندق كبير كئيب من فنادق السكك الحديدية. كان بالحانة ستائر مصنوعة من مخمل أكلته العثة بلون القرع العسلي، ونبات السرخس المجفف، وكان الندل يعتمرون العمائم. كانت مايا دائما ما ترتدي ثيابا خاصة عند الذهاب إلى هناك، فترتدي أثوابا حريرية متدلية وقفازات بيضاء غير نظيفة تماما وقبعات عجيبة كانت تجدها في متاجر البضائع المستعملة. كانت تتظاهر بأنها أرملة أدت الخدمة العامة مع زوجها في مواقع خارجية عدة من الإمبراطورية. كانت تتحدث بنبرات رخيمة إلى الندل الشباب متجهمي الوجه ، سائلة أحدهم: «لطفا، هل يمكنك أن ...» ثم تخبرهم أنهم كانوا في غاية اللطف.
اخترعت هي وجورجيا تاريخ أرملة الإمبراطورية هذه، وأضيفت جورجيا إلى القصة باعتبارها مرافقة أجيرة نكدة، ذات نزعة اشتراكية سرية، وتدعى الآنسة إيمي جوكس. أطلقتا على الأرملة اسم السيدة أليجرا فوربس بليا. وأطلقتا على زوجها اسم نايجل فوربس بليا، وأحيانا سير نايجل. وقد قضيتا معظم فترة ما بعد الظهيرة في إحدى الأيام الممطرة في موجولز كورت تخترعان مآسي شهر العسل الذي أمضاه آل فوربس بليا، في فندق رطب في ويلز.
كان المكان الآخر الذي يروق لمايا مطعما على طراز الهيبيز في شارع بلانشارد؛ حيث يجلس المرء على وسائد مخملية قذرة مربوطة إلى أعلى جذوع أشجار مقطوعة، ويأكل أرزا بنيا مع خضراوات لزجة، ويشرب عصير تفاح مخمر الغائم. (في موجولز كورت، لم تشرب مايا وجورجيا سوى الجين.) عندما كانت تتناولان الغذاء في مطعم الهيبيز، كانتا ترتديان فساتين طويلة رخيصة الثمن مصنوعة من قطن هندي جميل وتتظاهران بأنهما لاجئتان من أحد الكميونات؛ حيث كانتا رفيقتين أو خليلتين لدى مغن شعبي يدعى بيل بونز. ألفتا العديد من الأغاني لبيل بونز، كلها أغان خفيفة ورقيقة وبريئة كانت تتعارض أيما تعارض مع أساليبه الجشعة الماجنة. فقد كان لدى بيل بونز عادات شخصية غريبة جدا.
وعندما لم تكونا تلعبان مثل هذه الألعاب، كانتا تتحدثان باندفاع عن حياتيهما، وطفولتيهما، ومشاكلهما، وزوجيهما.
قالت مايا: «كان ذلك مكانا رهيبا ... تلك المدرسة.» ووافقتها جورجيا الرأي.
ثم أردفت مايا: «كانا صبيين فقيرين في مدرسة للأطفال الأثرياء ... لذا كان عليهما أن يبذلا جهدا كبيرا. كان عليهما أن يكونا مصدر فخر لعائلتيهما.»
لم تكن جورجيا تظن أن عائلة بن فقيرة، لكنها كانت تعرف أن ثمة طرقا مختلفة للنظر إلى تلك الأمور.
قالت مايا إنهما متى كان لديهما أشخاص مدعوون على العشاء أو لقضاء الأمسية، كان رايموند يتناول قبلا جميع التسجيلات الموسيقية التي يراها ملائمة ويضعها في ترتيب مناسب. وأضافت: «إخاله سيناول الضيوف موضوعات الحديث على الباب يوما ما.»
অজানা পৃষ্ঠা