فسكتت زينب صاغرة، وما خرج زوجها حتى حدثها ضميرها أن شرا مقبلا عليها، وما انتصف الليل حتى جاء عزيز إلى دار الحريم يصطحب خليلته راحيل.
وكانت زينب في غرفتها حينئذ، ولكنها لم تنم لما توالى في ضميرها من الهواجس، فنهضت مذعورة إذ سمعت صوت امرأة غريبة، وخرجت من الغرفة إلى رحبة الدار فوجدت عزيز يخاصر الخليلة ويقبلها فقالت: ما هذا يا عزيز؟ - لا تفوهي ببنت شفة، أما قلت لك أن تقيمي في تلك الغرفة الصغيرة المجاورة للمطبخ، فإنها أصبحت غرفتك منذ الآن. - وهذه المرأة؟ - هذة تقيم في غرفتك؛ لأنها أصبحت منذ الآن غرفتها. - من هي؟ أزوجة ثانية لك؟ - كلا، أنت تعرفين أنها ليست زوجة، بل هي خليلة. - ويلاه! ما هذا العمل يا عزيز، أتنبذ امرأتك إلى ما بين الخدم، وتجعل مكانها خليلة مبتذلة؟ - أقصري، إنها لأشرف منك. - ما الداعي إلى هذا يا عزيز؟ - اصمتي، انقلي أولادك حالا إلى غرفتك تلك.
وعند ذلك كانت زينب ترتجف من الغيظ والوجل معا، فقالت: يا لك من قاس ظالم، أمن كل قلبك تنبذ زوجتك وأولادك؟ - لا تزيدي كلمة واحدة وإلا نالتك لطمة قاتلة. - ويلاه، لماذا هذه القساوة يا عزيز؟ - قلت لك: لا تثني، اخرجي حالا.
وهم أن يدخل الغرفة ممسكا بيد راحيل، فحمي غضب زينب، وقالت: لا أخرج بل أنتما ترجعان.
فجذبها عزيز بيده إلى الخارج وأدخل راحيل، فعادت زينب وأمسكت براحيل، وحاولت أن تخرجها فلم تستطع؛ لأن عزيز أمسكها بكلتا يديه وجرها إلى الغرفة التي عينها لها. - ويلاه، أإلي هذا الحد بلغت نذالتك يا هذا؟ - اصمتي يا حمارة.
وكان عزيز يشفع كلامه بلطمة شديدة على فمها فنبض الدم منه، وكان صوته قد علا قليلا بالشتم والسباب، فقالت له: بربك لا ترفع صوتك؛ لئلا يصحو الخدم فيضحكوا علينا.
فازداد عربدة؛ لأنه كان شاربا، فقالت له: بالله تسكت، فأفعل ما تشاء. - إذن هلمي انقلي أولادك إلى هنا؛ فإن تلك الغرفة لي ولخليلتي.
فنهضت زينب المسكينة والدموع تتصبب من مقلتيها وجاءت إلى غرفتها وجعلت تنقل صغارها الثلاثة وهم نيام إلى غرفتها الجديدة الحقيرة وهي ترتجف من الغيظ، وفؤادها يهلع من الوجل، وكان في الغرفة سريران فأنامت اثنين في سرير ونامت مع الصغير في سرير آخر.
لا ريب أن القارئ يحكم من نفسه بأن زينب لم تنم تلك الليلة، وهل ينام من طما عليه الأسى؟ صممت أن تمضي اليوم التالي إلى عمها حسين باشا وتشكو إليه حالها، ولكنها كانت قليلة الأمل بأن يفرج عمها كربها وينصرها على زوجها؛ لأنها لاذت بعمها غير مرة مستنصرة به فردها خائبة من غير أن يسمع شكواها.
وإنما فعل ذلك؛ لأن عزيز كان كل يوم بعد آخر يذهب إلى حسين باشا ويختلق لديه الأراجيف والافتراءات عن زوجته؛ لكي يغرس في يقينه الاعتقاد بأنها سيئة السلوك والسيرة والسريرة؛ حتى إذ لاذت به وشكت إليه ينبذها ولا يسمع شكواها، على أن زينب لا تعرف لها ملجأ غير عمها فصممت على أن تمضي إليه في اليوم التالي وتبذل جهدها في إقناعه بسوء معاملة زوجها، ولما كان الصباح - وعزيز باشا لم يفق بعد من نومه - نهضت وارتدت ملابسها وتأزرت بمئزرها ومضت، فاستقبلها أحد الخدم في باب رحبة الدار وقال لها: عودي يا سيدتي إلى حيث كنت؛ لأنه لا إذن لك أن تخرجي. - اخرس يا وقح، أتقول هذا الكلام لسيدتك. - أقول إنك لا تخرجين يا سيدتي.
অজানা পৃষ্ঠা