قال أبو سليمان: يعني ألبسته على هذه الحال التي هو عليها من ناحية الطبيعة، فإنك في مسكه، وخلط على مسلكه، فاجتهد بالاختيار الرشيد، والرأي السديد أن تجعل طبائعك الأربع طباقًا لطبائعه الأربع، أو طبائعه الأربع، طباقًا لطبائعك الأربع، فإنك إذا قدرت على ذلك، قدرت بعده على أن تتعرف روائد هذه الأربع، ذاهبًا بها نحو الاعتدال الذي هو صورة من صور الوحدة، فإذا أنت صديقك، وصديقك أنت، على ما صرح به كانيًا، أو على ما كنى عنه مصرحًا، فقد بان هذا الحديث من ناحية اللفظ، والنطق، والعبارة، والإشارة، وإن كان قد بقي علينا أن نجد هذا المطلوب من ناحية العيان والمشاهدة فإنا إن وجدنا ذلك غنينا عن الخبر والاستخبار، لأن الأثر لا يطلب بعد العين، والحلم لا يتمنى بعد اليقظة، والسكر لا يحمد بعد الصحو.
سمعت برهان الصوفي الدينوري يقول: سمعت الجنيد يقول: لو صحبني فاجر حسن الخلق كان أحب إلي من أن يصحبني عابد سيء الخلق. قال برهان: لأن الفاجر الحسن الخلق يصلحني بحسن خلقه، ولا يضرني فجوره، والعابد السيىء الخلق يفسدني بسوء خلقه، ولا ينفعني بعبادته، لأن عبادة العابد له، وسوء خلقه علي، وفجور الفاجر عليه، وحسن خلقه لي.
وفي الأخلاق كلام واسع نفيس على غير ما وجدت كثيرًا من الحكماء يطيلون الخوض فيه، ويعوصون المرام منه، بتأليف محرف عن المنهج المألوف، ولو ساعد نشاط، والتأم عتاد، وقيض معين، وزال الهم بتعذر القوت لعلنا كنا نحرر في الأخلاق رسالة واسطة بين الطويلة
1 / 72