قيل لأرسطاطاليس الحكيم معلم الإسكندر الملك من الصديق؟ قال: إنسان هو أنت، إلا أنه بالشخص غيرك!
سئل أبو سليمان عن هذه الكلمة وقيل له: فسرها لنا فإنها وإن كانت رشيقة فلسنا نظفر منها بحقيقة. فقال: هذا رجل دقيق الكلام، بعيد المرام، صحيح المعاني، قد طاعت له الأمور بأعيانها، وحضرته بغيبها وشهادتها، وكان ملهمًا مؤيدًا، وإنما أشار بكلمته هذه إلى آخر درجات الموافقة التي يتصادق المتصادقان بها، ألا ترى أن لهذه الموافقة أولًا، منه يبتدئانها، كذلك لها آخر ينتهيان إليه، وأول هذه الموافقة توحد، وآخرها وحدة، وكما أن الأنسان واحد بما هو به إنسان، كذلك يصير بصديقه واحدًا بما هو صديق، لأن العادتين تصيران عادة واحدة، والإرادتين تحولان إرادة واحدة، ولا عجب من هذا، فقد أشار إلى هذه الغريبة الشاعر بقوله:
روحه روحي، وروحي روحه ... إن يشأ شئت، وإن شئت يشا
وليس يبعد هذا عليكم إلا لأنكم لم ترو صديقًا لصديق، ولا كنتم أصدقاء على التحقيق، بل أنتم معارف يجمعكم الجنس المقتبس، وينظمكم النوع المقتبس من الإنسان، ويؤلفكم بعد ذلك البلد أو الجوار أو الصناعة أو النسب، ثم أنتم في كل ذلك الذي اجتمعتم عليه، وانتظمتم به، وتألفتم له على غاية الافتراق، للحسد الذي يدب بينكم، والتنافس الذي يقطع علائقكم، والتدابر الذي يثير البينونة منكم، ولو استصحبتم ما شملتكم به الطبيعة الكبرى في الأول، لم تميلوا إلى ما حابتكم فيه الطبيعة الصغرى في
1 / 69