বইয়ের মধ্যে কাটানো ঘণ্টাগুলি
ساعات بين الكتب
জনগুলি
جد الشخصية أولا وكن أنت جديرا بإيجادها، ثم كن على ثقة أنك واجد لا محالة ذلك المنقود الجدير بأن تحصي له الحسنات والعيوب، وهنا قد يكون المنقود شاعرا، وقد تقرأ شعره بيتا بيتا فلا تقع فيه على بيت رائع أو معنى خالب أو أسلوب رشيق، ولكنك إذا جمعته كله وقعت منه على شخصية برزت فيها الحياة بنموذج معزول ذي عنوان ظريف، فهذا الشعر هو الذي يحفظ ويخلد؛ لأنه نموذج حي لو ظهر في عالم الأجساد لبادرت الطبيعة إلى الإغراء بالنظر إليه والإغرام بحفظ نوعه والتنويع في صفاته، أما في جماعة اللفظيين والحرفيين الذين ينقلون النقد من الشاعر إلى شعره، فهؤلاء يدعون الشيء ليلهوا بظله، وينتقلون من الحياة إلى ما ليس له في ذاته حياة.
وكأنا قد انتهينا إلى أن النقد الخالق هو ذلك النقد الذي يهتدي إلى «النماذج» في عالم الآداب والفنون، وأن وظيفته هي إحياء كل نموذج يهتدي إليه بمجاوبته وإذكاء فضائله وشحذ ملكاته، ولن يكون الناقد على هذه الصفة إلا إذا كان هو نموذجا من الطراز الممتاز لا من الطراز الدارج المألوف.
صورة1
هذه الصورة أيها القارئ لا تدلك على الأصل إلا كما يدل الرسم على المرسوم والظل على ملقيه، فإذا حسبت فرق الحجم حيث تدق الملامح في الصورة الصغيرة، وتبرز للنظر على جلاء وتفصيل في الصورة الكبيرة.
وإذا حسبت الفرق بين النقل الشمسي والتصوير اليدوي في حسن الأداء ودلائل الحياة، وتفاوت ما بين الحكاية الآلية والحكاية التي تستمد من الشعور والذكاء والتخيل والإيحاء، وإذا حسبت الاختلاف بين التلوين البارع والتظليل المحكم، وبين السدف الشائع الذي لا تختلف فيه مسحة عن مسحة، ولا لون عن لون، إذا حسبت هذه الفروق بين الصورة التي تراها هنا، والصورة التي نقلت عنها، فأنت قادر على تمثل الصورة المحكية في بعض جمالها وإتقانها، وبعض ما فيها من قدرة الفن والتعبير.
على أنني بعد لا أعلم ماذا ترى أنت أيها القارئ في الصورة المحكية لو نظرت إليها كما أنظر، وسرحت فيها بصرك وخيالك، كما وقفت أنا منها بين تسريح البصر والخيال، فإنني أؤمن بالأطوار النفسية وما إليها من الأثر في إعجابنا بمنشآت الفنون والآداب، واعلم أنك تنظر إلى الصورة، وفي ضميرك خاطر يمت إليها بنسب من الإحساس والتفكير فتثير أشجانك وتستفتح مواطن التفاتك وإعجابك، وينظر إليها غيرك وليس في ضميره ذلك الخاطر فيعدوه جمالها، أو يأخذ من نظره وخياله طرف اللمحة العابرة والخيال المشغول، وقد ينظر المرء في وقتين مختلفين إلى الصورة الواحدة، فإذا هي اليوم غير ما كانت بالأمس، وإذا بها كأنها عملان اثنان عملتهما قدرتان وتمثلت فيهما نفسان وقريحتان، فإذا نظرت أنت أيها القارئ إلى الصورة المحكية فلست أعلم ما شأنها عندك وأثرها في شعورك وتفكيرك، فإنما المعول في هذا أكثر الأحيان على أطوار النفوس، وبدوات الأذواق، وسوانح الفكر، وإنما يعجبنا الفن بشيء من أنفسنا كما يعجبنا بشيء من نفسه، ويندر أن يلتقي الشيئان معا في جميع الأحيان.
غير أني لا أرى في احتياج الآثار الفنية إلى الأطوار النفسية التي تلائمها حري أن يقدح في جمال تلك الآثار، أو يبخس قدرة الصانع الفنان، بل أقول: إن التقدير الصحيح لا يتهيأ لنا إلا مع المشابهة في النظرة والمقاربة في الإحساس، فلا نقول ثمة إن الإعجاب متهم الاستحسان ممزوج بالغرض والمحاباة بل نقول: إننا كنا أقرب إلى الفهم الصادق والتقدير الصحيح، فرأينا من الأثر الفني ما لسنا نراه في غير هذه الحال، وأدركنا من مزاج الفنان ما لسنا ندركه بغير هذا الاقتراب ، وإذا ابتعدت خواطرنا من خواطر المصور، وتباين الجو الذي صنع فيه صورته والجو الذي ننظر إليها فيه، فليس هذا بحجة على أننا أصلح - من أجل هذا - للحكم عليها وأجدر بالإنصاف في عرفان مزاياها، بل هو أولى أن يكون حجة على خطأ الحكم وصعوبة الإدراك، وإننا كنا محرومين من ذلك «التهيؤ» الذي لا غنى عنه في كل تقدير يتصل بالخيال والشعور.
وكأن للنفس أبوابا شتى تطرقها من لدنها صنوف الإحساس وفصائل الخواطر، فما يرد عليها من هذا الباب لا يرد عليها من سواء، وما يخطر لها وهي مشرفة على جانب السماحة والرضا غير ما يخطر لها وهي مشرفة على جانب التبرم والأسى، وما هو إلا أن يفتح الباب من أبواب النفس حتى يستثني كل طارق عليه إلا ذلك الطارق الذي يليق به التقدم إلى ذلك الباب، فهناك على الطريق مرحب موكل باللقاء والتمييز يأذن للخواطر المدعوة، ويصدف عن خواطر التطفل والفضول، وإنها لفاتحة تبتدئ ثم تطرق اللواحق على وتيرتها، ثم ما هو إلا أن تجوز الطارقة الأولى وتأخذ مكانها حتى تفرغ النفس لضيوفها التي تفد عليها رتلا بعد رتل من حيث فتحت لهم هي باب القبول.
وهذه الصورة أيها القارئ هي صورة فتاة حزينة على قبر صديق فقيد. كيف أعجبتني حين نظرتها أول مرة ومن أي باب وردت على نفسي في تلك اللحظة، فخلت فيها محلها من الأنس والكرامة؟ لست أدري! ولكن لا عليك أيها القارئ أن تقول كما أقول أنا ساخر الشفتين يوم تلح بي هذه الخواطر: هي النفس مفتوحة اليوم على حي المقابر من هذه الحياة الحافلة بالأشباح والقبور، الزاخرة بالعظام والأشلاء!
كان يوم ضقت فيه بالمدينة ومن فيها، ونزعت إلى رحب الفضاء وفسحة الطلاقة والذكرى، وفي المطرية حيث تتلاقى رحاب الفضاء ساكنة خاوية، ورحاب التاريخ صامتة فانية مجال للعبرة من طريقين، ومتسع للصدر من جانبي المكان والزمان، فذهبنا مع بعض الصحاب إلى المطرية، وقصدنا إلى متحف المصور الفاضل «شعبان زكي»، فرأينا هناك هذه الصورة بين ودائع كثيرة لصاحبها الأستاذ محمد حسن الذي يتم دراسة التصوير الآن في المعاهد الإيطالية، وإنها لنظرة واحدة وقفت عليها، ثم ثبت النظر عندها لا يرام عنها، واجتمعت هواجس النفس ومطارح الفكر حولها، فرأينا ثم آية من آيات التصوير تقل مثيلاتها بين آيات الأساتذة المبرزين في ذلك الفن الجليل، وشعرنا كأن للصور هواتف وأرواحا تجتذب إليها العاطفين والمعجبين على نأي المسافة وتفرق الهموم، وكأن هذه الصورة هي التي استدعتنا حيث كنا لنؤم مكانها ونشهد قصتها ونقضي لها حقوق تحيتها، وكأنها هي التي ألقت علينا من ظلها فشملتنا في ذلك الجو الخاشع الذي ساقنا إليها كما تتعطش الأرواح المنسية إلى نفوس أحبابها، فهي تومئ لها في رواية الأقدمين بوحي الذكرى، ودعوة الحنين إلى ارتياد مزارها وتجديد الأسف عليها.
অজানা পৃষ্ঠা