বইয়ের মধ্যে কাটানো ঘণ্টাগুলি
ساعات بين الكتب
জনগুলি
ولسنا نوغل بك أيها القارئ في أنحاء الجزيرة، ولا في مناظر فتنتها التي وصفها المؤلف وأضفى عليها من إعجابه وافتتانه ما استطاع، فتلك المناظر كثيرة يحسن بالقارئ أن يرجع إليها في مواضعها، وأن يعتمد فيها على المؤلف الذي وصفها وصفا دقيقا يعوض عليك ما ينقصها من سليقة الشعر وبهجة الخيال، ولكنني أحببت أن أقف عند حكاية كانت بين أول ما قرأت في الكتاب ولفتتني إليها أنها قد تروى عن بعض بلاد الشرق الأخرى، كما تروى عن جزيرة سرنديب. قال المؤلف: «أوصيت بصنع عصوين من الأبنوس الجميل عليهما مقبض من العاج في شكل رأس فيل، وفي صباح اليوم الذي تسلمتهما فيه فحصتهما فحصا جيدا؛ لأن المثل يقول: «من لدغ مرة خاف مرتين»، وقد زادتني قصة الحرير الصيني حذرا، فما كان دهشتي وغضبي حين وجدت في كلتا العصوين خدوشا تخفى في إحداهما ولا تظهر، إلا بعد إنعام النظر، وقيل لي: إنها مما لا بد منه في الأبنوس كله، أما الأخرى، فقد كان عيبها ظاهرا مكشوفا بحيث لا تصلح للإهداء، فذهبت مع صديق لي إلى الدكان لننظر في أمر العصوين، وأفاض القوم هناك في إبداء الأسف والاعتذار، وقبلوا عن طيب خاطر أن يبدلونا بالعصا المعيبة عصا سليمة، ثم لم ألبث أن بلغ مني الاشمئزاز والسخط حينما أخبرني صديقي أنه ذهب بعد ذلك إلى الدكان ليستعجلهم لقرب سفري - وكنت يومئذ في كاندي - فسمع أحد الدكانية يخبر صاحبه أنه لا يظن إبدال العصا في الإمكان، وإنما يمكن أن تملأ الخدوش منها بالعجين وتداوى بحيث تبدو كأنها عصا جديدة. ونبهني صديقي إلى ذلك لأكون على حذر حين تسلمها، فصح ما أنذرني به واجترأ القوم فعلا على إرسال العصا الأولى بعينها مطلية بطلاء يخفى على غير الحريص. ولكن «محمدا» الذي كنت أخبرته بالقصة كشف الحيلة وأراها للرجل الذي جاء بالعصا قبل تسليمها إلي.»
هذه قصة لا أظن سائحا في بلد شرقي إلا وقد حدث له من أمثالها ما يدعوه إلى الأسف والاحتراس، ولست أقول : إن السائحين في الغرب لا يصادفون مثل هذه الخدع الوضيعة والصغائر المضجرة، ولكنني أردت أن أقول: إن الخداع في الغرب إنما يكون من شأن المحتالين الذين تجردوا للاحتيال، وليس من شأن أصحاب المتاجر المؤسسة والأعمال الدائمة، كما يحدث عندنا في بعض البلاد الشرقية، وقد وقعت لي قصة في بيروت كهذه في دكان مشهور يبيع المنسوجات الوطنية، وسمعت قصصا شتى يرويها السائحون من هذا القبيل، ولو شاء ذو غرض لعد ذلك الاحتيال عيبا أصيلا في أخلاق الشرقيين تنزهت عنه الأخلاق الغربية أو اقتصر بين الغربيين على فريق قليل دون الفريق الأغلب المشهور، والحقيقة أن العيب هو قصر نظر في العقول يزول بزوال أسبابه، وليس بعيب في الطبائع والأخلاق يمتنع على العلاج والإصلاح، ومنشؤه فيما أرى أن الغربيين قد تعودوا أعمال «التعاون» قبلنا فتعودوا الثقة التي لن يتم التعاون بغيرها، وأن سهولة العيش في الشرق قد أقنعتنا بالجهود الفردية فرضينا بالفرص الطارئة والمكاسب الموقوتة، ولم ننظر إلى الدوام والاستمرار، ولو كان العيش في الغرب سهلا يقوم به كل إنسان على حدة كما هي حالة الشرق منذ آلاف السنين لما اضطر الغربيون إلى الاشتراك في العمل ولا دفعوا إلى آدابه وسياسات نجاحه، وفي مقدمتها سياسة الصدق والأمانة، فإذا أحسنا التعاون غدا كما يحسنه الغربيون، فذلك صلاح في عالم الأخلاق يضاف إلى ما فيه من صلاح في عالم الاقتصاد. •••
وبعد فهل أصاب المؤلف في إظهار كتابه باللغة الإنجليزية، أو كان الأجدر به أن يبدأ بإظهاره في اللغة العربية! إن بعض الكاتبين في الصحف الإنجليزية التي نوهت بالكتاب يعطينا ما يشبه الجواب عن هذا السؤال فيقول: «يرى المؤلف المصري أن وضع الكتب باللغة العربية عمل غير مجد من وجهة المال؛ لأن الجمهور الذي يشتري كتب الأدب القيمة في مصر محدود، وأصدقاء المؤلف ينتظرون منه الهدايا فلا أمل له في الفائدة، وكثيرا ما يصاب بالخسارة، فلا بدع إذن أن نرى بعض أصحاب الهمة العملية يؤثرون الكتابة بلغة أجنبية، وأن شاعرين مصريين أحدهما أمير، والآخر ابن وزير سابق، قد نشرا في اللغة الفرنسية كتبا أطنب النقاد الفرنسيون في الثناء عليها، وقد طبع حسنين بك الرحالة المصري كتابه الممتع عن الواحة المفقودة باللغة الإنجليزية الجيدة، ونشرته مكتبة بترورث قبل أن تنشر طبعته العربية، وظهر في هذا الأسبوع على يد مكتبة هتشنسون كتاب عنوانه «سرنديب أرض السحر الخالد» لمؤلفه علي فؤاد طلبة مترجم اللغة الإنجليزية في القصر الملكي الذي ولد في سرنديب، وتعلم في مدرسة كنجزود بمدينة كاندي، وكان والده أحد المنفيين إليها بعد الثورة العرابية.»
وكل ما ذكرته الصحيفة الإنجليزية حق لا ريب فيه، فإن الكتاب الذي يروج في لغة أوربية يجدي على صاحبه ما ليست تجديه حياة طويلة تنقضي بيننا في التأليف والترجمة، وقد ينقل إلى لغات غيرها فيكبر حظه من الربح والسمعة، ويغريه الإقبال بالمثابرة والمزيد، وشيء آخر يحبب إلى المؤلف الكتابة في اللغات الأوربية غير ما تقدم، وهو حركة العطف وتبادل الفكر والإحساس التي يشعر بها من يلقي في عالم الأدب هناك بكتاب يودعه ما يودع من ذات نفسه وفكره، فليس سرور التأليف والإفضاء بما في القلب والعقل إلا هذا السرور الذي يوسع نطاق الحياة ويطرد عنها وخامة الركود الآسن والسكون الوبيء، ولا يلزم أن يكون العطف الذي يثيره الكتاب حبا وتمجيدا، بل يكفي أن يكون حركة واهتماما وتجاوبا في الإحساس والنظر ولو على المتناقضة والعداء، وهذا هو الأثر الذي لم يكتب لشرقي في أرضنا، ولا يطمع فيه شرقي في هذه الأيام، فمن تحدث بيننا بلسان الطباعة فليكن كذلك الذي يطلق لسانه ثم يغمض عينيه ويوصد أذنيه؛ لكيلا يعلم أن القوم حوله يعرضون عنه أو يصغون إليه، ويصمتون ليستمعوه أو يتشاغلون عنه باللغط والهراء! وليصبر على هذا الحديث صبر المجانين المبتلين بداء التحدث والهذيان.
لماذا يكتب المؤلف ويطبع ما يكتب؟ للإفضاء بما في نفسه أو للكسب أو للشهرة؟ فإذا علمنا بعد هذا أن الذي يفضي بذات نفسه يفضي بها إلى من لا يجاوبه ولا يردد صداه، وأن الرغبة في المطالعة بيننا لم تبلغ إلى الآن أن تكفي كاتبا واحدا مؤنة الرزق، أو تغنيه عن مزاولة عمل يكفل له مطالب الحياة، وأن شهرة الكاتب الشرقي لا تتعدى عشرة آلاف قارئ على أكبر تقدير يقابلهم ألوف الألوف من قراء الكتاب الغربيين، إذا علمنا هذا فقد علمنا أنه ما من شيء يحبب إلى المؤلف أن يكتب في اللغة العربية، إذا ضمن الرواج في غيرها إلا غيرة الوطن، وغرام التضحية، وأمل في المستقبل يطول عليه الزمان، وتمطله الحوادث والصروف.
هذه حقيقة قد تتعزى عنها بحقيقة أخرى نذكرها عن عالم التأليف بين أصحابنا الغربيين، وتلك هي أن المؤلف هناك لا يضمن الرواج حتى يقبل عليه الناشرون، ولا يقبل عليه الناشرون حتى يكتب في الأغراض التي يهواها سواد القراء، ولا يهوى سواد القراء إلا ما سخف أو امتزج بالسخافة من نفايات اللهو، ومزجيات البطالة والفراغ، فإذا اعتمد المؤلف على نفسه في النشر ولم يلجأ إلى البيوت المشهورة بطبع الكتب الرائجة، فذلك أسوأ إعلان يتشفع به إلى القراء! لأنهم يقولون حينئذ لمن يعرض عليهم كتابه إن وصل إلى أيدي العارضين: لو كان الكتاب جديرا بالقراءة لوجد من ينشره ويتصدى لبيعه، أما وهو كما نرى باد عليه دلائل الرفض والإعراض، فهو غير حقيق منا بالقبول!
حقيقة بحقيقة! فأيهما أسوغ في النفس وأطيب في المذاق.
شتان هذه وتلك على كل حال: فإحداهما حركة خاطئة، والأخرى ركود عقيم، وشتان ركود الجماد وحركة الحياة.
التجميل في الأسلوب والمعاني1
يقول أمييل في جريدته راويا عن أديب لم يسمعه: «إن هذا الأديب يبدي ملاحظة جد صادقة عن أسلوب رينان، وهو يلفت النظر فيه إلى التناقض بين ذوق الفنان الأدبي ذلك الذوق الدقيق المبتكر الصادق، وبين آراء الناقد تلك الآراء المستعارة القديمة المضطربة، وإنما الاضطراب هنا اضطراب المتردد بين الجميل والصادق، أو بين الشعر والنثر، أو بين الفن والبحث، وهو أمر بين في رينان، فإنه لشديد الشغف بالعلم، ولكن شغفه بالكتابة الحسنة أشد، وقد يدعوه ذلك عند الضرورة إلى التضحية بالعبارة المحكمة في سبيل العبارة الجميلة، فالعلم مادة له وليس بغاية ولكنما الغاية هي الأسلوب، ولكلمة واحدة أنيقة أغلى في عينيه عشرا من العثور على حقيقة ثابتة أو تاريخ صحيح، وإني لأراه على صواب في هذا فإن الكتابة الجميلة إنما تكون كذلك بنوع من الصدق هو أصدق من سرد الوقائع المجردة، وكذلك كان رأي روسو.»
অজানা পৃষ্ঠা