বইয়ের মধ্যে কাটানো ঘণ্টাগুলি
ساعات بين الكتب
জনগুলি
الصبر على الحياة1
لفت نظري من أخبار الصحف كثرة حوادث الانتحار التي تقع في هذه السنوات، وتفاهة الأسباب التي تبنى عليها بالقياس إلى ما يعده الناس سببا كافيا لنبذ الحياة ومفارقة الدنيا، والمفارق لها باختياره على ثقة من العدم بعدها إن كان من منكري الديانات، كما يظن بالمنتحرين، أو على ثقة من العذاب إن كان مؤمنا بالله واليوم الآخر، ومصدقا بتحريم قتل النفس ولو كان القاتل صاحبها وأحق الناس بصيانتها أو التفريط فيها.
ففي مصر وفي أوربا نسمع أنباء عجيبة من أنباء الانتحار ألفها الناس فكانت إلفتهم لها عجبا آخر من عجائبها الكثيرة ، فهذا يقتل نفسه سآمة ومللا ولديه المال والصحة والوجاهة، وهذه تقتل نفسها حزنا على فنان كانت تحب رواياته أو تأنق بشخصه، وغيرهما يقتل نفسه لغير سبب ظاهر، أو مع ما يبدو للناس من وفرة دواعي الحياة عنده، وكثرة وسائل المتعة لديه، وتنتقل من هذه الفئة التي لا يكاد يكون انتحارها تبرعا لغير سبب إلى فئة أخرى تعرف أسباب سخطها على الحياة، ولكنك لا ترى فيها وجها لطلب الموت والإقدام على أيأس اليأس الذي يقدم عليه إنسان، وقد يسهل علينا تعليل ذلك كله باضطراب الأعصاب، واختبال الحواس، ولكنها مسألة يبقى فيها وراء هذا التعليل مجال للنظر، وموضع للاعتبار.
إن الانتحار داء قديم عرفته الأمم الغابرة، فأحله أناس وحرمه آخرون، وكانوا في تحريمهم إياه على رأي يقرب من آراء المعاصرين في هذا الموضوع، ولكننا لا نخال النظرة التي كان ينظر بها الأقدمون إلى «الموت المختار» تشبه نظرتنا نحن إليه، ولا نحسبهم كانوا يفكرون في دنياهم كما نفكر نحن في دنيانا الآن.
فكان فيثاغوراس ينكر الانتحار كما ينكره رجال الدين من المسلمين والمسيحيين؛ أي أنه كان يعتبره عصيانا لله وتمردا على إرادته، وينهى الناس أن يبرحوا موقفهم في الحياة بغير إذن القائد الذي وقفهم فيه وهو الله، وكان بيوليوس شارح فلسفة أفلاطون يقول: إن الرجل العاقل لا يطرح بدنه أبدا إلا بمشيئة الله، وحرم أفلاطون الانتحار لأسباب كأسباب فيثاغورس، ولكنه أباحه عندما تقضي به الشريعة، أو يهبط الإنسان إلى الدرك الأسفل من الفاقة.
أما أرسطو وهو رجل الدولة بين الفلاسفة فقد حرمه؛ لأنه عدوان على حقوق الدولة المفروضة على الأفراد، وهو سبب كما ترى يقارب السبب الذي بني عليه تحريمه في القوانين الحديثة، واستحقاق صاحبه العقوبة والملام.
وقد وجد من المفكرين الأقدمين من أباح الانتحار كما أباحه دافيد هيوم الإنجليزي، وشوبنهور الألماني، في هذه العصور، وكان طليعة أولئك المفكرين «سنيكا» الذي كان هو أحد عظماء المنتحرين المشهورين في تاريخ الرومان، ولكن سنيكا تجاوز كل حد وصل إليه فلاسفة الزمن الأخير في هذا المعنى إلى تحبيذ الانتحار، والإطناب في مدحه، ووصف ترفيهه عن المتعبين والمعذبين.
يقول «ليكي» مؤرخ الأخلاق الأوربية من أوغسطس إلى شارلمان - وهو الذي نعتمد عليه في رواية هذه الآراء - إنه «لا محل للشك في أن حكم الأقدمين على الانتحار يختلف اختلافا بعيدا من حكمنا نحن عليه، فقد تعاقبت المدارس الفلسفية باستحسانه، ولم يبلغ قط في رأي منكريه مبلغ هذه الشناعة التي نسمه بها في الوقت الحاضر، ويرجع ذلك من الوجه الأول إلى رأي الأقدمين في الموت، ثم إلى اعتبار آخر علينا أن نذكره، وهو أن المجتمع متى تعود مرة أن يقبل الانتحار فقد تزول وصمة الإجرام عن الفعلة، بعد أن تزول عنها صبغة العار والمسبة؛ لأن الذين يعتقدون أن الخجل والألم اللذين يجنيهما المنتحر على أسرته ليسا هما كل جريمة الفعلة يسلمون أنها من دواعي الغلو في الحكم عليها، فهذا الغلو إذن لم تكن له من داعية في تفكير القدماء. بل لقد كان أبيقور ينصح الناس بأن يزنوا ويدققوا الوزن ليعلموا هل هم يؤثرون أن يأتي الموت إليهم أو أن يذهبوا باختيارهم إلى الموت، وقد أمات الشاعر لوكريتس أحد تلاميذه بيده كما فعل كسيوس، وأتيكوس صديق شيشرون، وبترونيوس الشهوان، وديودروس الفيلسوف، وكان بليني يقول: إن حظ الإنسان أرجح من حظ الآلهة في شيء واحد على الأقل، وهو أنه قادر على الفرار بنفسه إلى القبر! وكان يقول: إن من دلائل كرم العناية أنها ملأت الأرض عقاقير شتى يجد فيها المتعبون طريقهم إلى الموت بغير عناء ولا إبطاء، ومن الذكريات التي تخطرها على بالنا الإشارة إلى شيشرون ذكرى هجسياس الذي كان الأقدمون يلقبونه بخطيب الموت، وكان معلما نابغا من معلمي المدرسة القيروانية يرى أن الموت هو الغاية التي لا غاية بعدها للكائن العاقل، وأنه لما كانت الحياة موقرة بالهموم وكانت مسراتها زائفة سريعة الزوال كان الموت هو أسعد نصيب يتوق إليه الإنسان، ولقد بلغ من فصاحة لسانه ومن فتنة السحر الذي أحاط به القبر أن كان تلامذته يقبلون فرحين على تحقيق وصاته، وأن كثيرين منهم أراحوا أنفسهم بالانتحار من مضانك الحياة، وقد اشتدت عدواه حتى قيل: إن بطليموس اضطر آخر الأمر إلى نفيه من الإسكندرية.»
ولكنه في روما بين الرواقيين الرومانيين كان للانتحار شأنه العظيم وفلسفته المتقنة، فقد كان قتل النفس منذ عهد عهيد كما روي في حادثتي كرتيوس ودشيوس شعيرة من شعائر الدين كأنها كانت بقية لشعيرة التضحية الآدمية، ثم جاءت في أواخر الأيام الوثنية حوادث عدة جنحت بالآراء إلى هذه الوجهة، منها أمثولة «كاتو» الذي أصبح قدوة الرواقيين، وأصبح انتحاره المسرحي عندهم سياقا للبلاغة والبيان، ومنها قلة المبالاة بالموت التي بثتها في النفوس مناظر المصارعة والجلاد، وحوادث المئات من الأسرى الذي كانوا يأبون أن ينحروا أبناء وطنهم أو يسخروا لتلهية آسريهم فيدورون نصالهم إلى أعناقهم، أو يلتمسوا لهم مهربا إلى الحرية أبشع من هذا وأنكى، ومنها سنتهم التي استنوها بإلزام المسجونين السياسيين أن يقضوا على أنفسهم بأيديهم، وأعظم من هذا كله كان طغيان القياصرة الذي ارتفع بالانتحار إلى أجل مقام، فقل أن نسمع بشيء أبلغ في النفس أثرا من ذلك الفرح الذي استقبله به «سنيكا» في عهد نيرون واجدا فيه الملجأ الوحيد للمظلوم، والمعقل الأخير للعقل المنهوك، فهو يقول: «إنما بفضل الموت لا تكون الحياة عقوبة، وبفضل الموت أستطيع أن أقف رافع الرأس بين يدي الجد العابس، فأحتفظ بعقلي سليما وجأشي رابطا. إن لي مرجعا أعتصم به وأحتكم إليه. أرى أمامي الصلبان على أشكالها، وآلات العذاب والسياط بأنواعها لكل عضو من أعضاء الجسد، وكل عصب في البدن، ولكني كذلك أرى الموت! أراه وراء ما يسمو إليه أعدائي الهمج الضراة، وأبناء وطني المتغطرسين، وأن الاستعباد لتذهب عنه مضاضته حين أعلم أنها خطوة واحدة أخطوها فتخرجني من الأسر إلى الحرية.» •••
وقد أخذ الكاتب بسرد الأمثلة العديدة من التاريخ الروماني عن العظماء المنتحرين، وأقوال الفلاسفة في الانتحار بما لا يختلف عما سبق، وفي ذلك إجمال للنظرة التي كان ينظر بها الأقدمون إلى قتل النفس نعرضه فنعلم أنها غير نظرتنا نحن إلى هذه الفعلة من جانبي الفكر والأخلاق، فإن الأديان قد علمتنا أن الحياة نعمة الله على الأحياء، فمن رفضها وأبق منا فإنما يكفر بنعمته ويهرب من قضائه، ثم جاءت المذاهب الحديثة فعلمتنا أن الحياة واجب وتبعة فمن نقضها عنه، فإنما ينكص ويعجز فيعاب عليه ضعف الإقدام ونقص الاقتدار، وكذلك تجرد الانتحار من حلية الفخر والشجاعة التي كان يزان بها في أيام الوثنية، ولا سيما على عهد الدولة الرومانية، وظهر لنا في هيئة أشرف ما تناله منا العذر والرثاء، وأغلب ما تقابل به بين الناس التأفف والازدراء، ولكنه بعد هذا لا يزال باقيا كما كان بين جميع الطبقات، ولا يزال اللاجئون إليه على مثل نسبتهم في الأزمنة الغابرة إن لم تقل إنهم يزيدون، فكيف نفسر هذا؟ وكيف لم تنقص هذه الآفة مع اختلاف النظر إليها؟ أترى أن الحياة أهون علينا وأصغر في أعيننا مما كانت في أعين القدماء؟ أترى أن أولئك القدماء كانوا يجدون فيها سعة وجمالا لا نجدهما، ويصيبون بين أحضانها متعة وراحة فوق ما نصيب! لا نظن! وإنما المسألة هنا مسألة صبر لا مسألة رغبة، ومسألة ضعف عن احتمال الآلام لا مسألة زهد في جمال الحياة.
অজানা পৃষ্ঠা