وأخبرنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا ابن المحبِّ: أنا المِزِّيُّ: أنا ابن أبي عمرَ، وابن البخاريِّ: أنا الإمامُ أبو الفَرَج: أنا حمدُ بن أحمَد: أنا أحمدُ بن عبد الله: ثنا أبي: ثنا أحمدُ بن محمدٍ: ثنا أبو عثمانَ سعيدُ بن عثمانَ: ثنا أبو الفيضِ ذو النونِ المصريُّ، قال: إن لله لصفوة من خلقه، كان لله ﷿ لخيرةً [من خلقه]، فقيل له: يا أبا الفيض! فما علامتُهم؟ قال: إذا خلع العبدُ الراحةَ، وأعطى المجهودَ في الطاعة، وأحبَّ سقوطَ المنزلة.
فقالماله بعضُ مَنْ كان في المجلس حاضرًا: يا أبا الفيض! من هؤلاء القوم رحمك الله؟ فقال: ويحك! هؤلاء قومٌ جعلوا الركبَ لجباههم وسادًا، والترابَ لجنوبهم مِهادًا، هؤلاء خالطَ القرآنُ لحومَهم ودماءهم، فعزلهم عن الأزواج، وحَرَّكهم بالإدلاج، فوضعوه على أفئدتهم فانفرجت، وضموه إلى صدورهم فانشرحت، وتصدعت هممهُم به فكدحت، فجعلوه لظلمتهم سِراجًا، ولنومهم مهادًا، ولسبيلهم مِنهاجًا، ولحجتهم إفلاجًا، يفرح الناسُ ويحزنون، وينام الناسُ ويسهرون، ويُفطر الناسُ ويصومون، ويأمن الناسُ ويخافون. فهم خائفون حَذِرون، وَجِلون مُشْفِقون مشمِّرون، مبادِرُون من الفوت، ويستعدُّون للموت، يتصغر جسيمُ ذلك عندهم لعظم ما يخافون من العذاب، وخطرِ ما يوعدون من الثواب، درجوا على شرائع القرآن، وتخلصوا بخالص القربان، واستناروا بنور الرحمن، فما لبثوا أن أنجز لهم القرآنُ موعودَه، وأوفى لهم عهودَه، وأحلَّهم سُعودَه، وأجارهم وعيدَه، فنالوا به الرغائب، وعانقوا به الكواعب، وأمنوا به العواطب،
1 / 58