فأولية جرمانوس فرحات - إذن - ليست في شعره؛ فقد كان في زمنه شعراء مسلمون أبلغ منه قولا، وأصح كلاما. ولكن كونه أول شاعر من مستعربي لبنان، قال الشعر معربا بعدما كان زجلا سرياني الوزن أحله هذا المحل. فالشعر ابتدأ في لبنان من حيث انتهى في الأندلس، نشأ في الأندلس شعرا رصينا بليغا؛ ثم صار موشحات، وصارت الموشحات مهلهلات؛ ثم أخذت تنحط رويدا رويدا حتى أمست أزجالا، بل كلاما باردا.
إن لهذا الأسقف المولود في القرن السابع عشر؛ فضل التأليف في النحو؛ فهو أول نصراني ألف فيه، بعدما أخذ هذا العلم عن الشيخ سليمان النحوي المسلم في حلب.
1
وله أيضا فضل أكبر وأعم؛ إذ صحح الترجمة العربية للمزامير والأناجيل، وسائر كتب الموارنة الكنائسية، فعرفت الكنيسة فصاحة العرب، وحب المطران العربية حمله على تعريب الإنجيل مسجوعا، وهذا التعريب محفوظ حتى الآن بمكتبة حلب المارونية.
ولم يقف المطران عند حد التأليف في النحو بل تصدى - قبل كل رجال النهضة الحاضرة - إلى وضع معجم صغير، ولكنه صحيح، سماه: «الإعراب عن لسان الأعراب».
الترجمة:
إن دور النصارى في الأدب العربي كان ينحصر في الترجمة، قبل أن استقام لسانهم العربي، ففي النهضة العباسية كانوا تراجمة الخلفاء، فنقلوا لهم كتب القوم، وها إن التاريخ يعيد نفسه في فجر هذه النهضة. فها هو هذا المطران يؤلف في حلب «مجمعا علميا» يعنى أعضاؤه بالترجمة، ومن هنا جاء التجديد. فهم لم يتفوقوا بالكلام العربي الذي لا غبار عليه، بل بما ترجموه من كتب وغيرها. كانت هذه الترجمة أولا دينية، ولما صدرت كتب الشدياق و«جوائبه» أصبحت أدبية وسياسية، ثم أضحت في «جنان» و«دائرة معارف» المعلم بطرس البستاني تاريخية وقصصية وعلمية، ولما أنشأ صروف المقتطف صارت علمية صرفا؛ فكانت مجلته ولا تزال سجلا للاكتشافات الحديثة والمذاهب العلمية، وهكذا مشت الترجمة في مدارج زمن النهضة الأدبية، حتى بلغت اليوم ما بلغت مع أدباء وقتنا الحاضر.
إن سير الأمور قلما يختلف، فلو لم نترجم فلسفة اليونان إلى العربية لم يكن للعرب فلاسفة كالفارابي، وابن سينا، والغزالي، وابن رشد، الذين استعان علماء الغرب بكتبهم على تفسير كتب أرسطو، وتفهم معانيها.
2
إن هذا الأسقف كان المترجم والمصحح لما يترجم. شغفته اللغة العربية وكل ما يتصل بها؛ فخاطر بنفسه وأم الأندلس، راكبا البحر، يوم كان المركب لا يزال لبنانيا؛ ليمتع نظره بآثار العرب الخالدة فيها، ويقرأ في مكتباتها ما لا تقع عينه عليه في الأقطار العربية.
অজানা পৃষ্ঠা