وسبيل صَاحب السُّلْطَان ان يتَجَنَّب السّعَايَة والنميمة فَإِنَّهُمَا من الْأَفْعَال اللئيمة الذميمة وَقد قيل قَول ثَبت فِي النُّفُوس واطرد مَعَه الْقيَاس: من نم إِلَيْك ثمَّ عَلَيْك وَمن سعى عنْدك سعى بك وَكتب مُحَمَّد بن عَليّ كَاتب مُحَمَّد بن خَالِد إِلَيْهِ: ان قوما جَاءُوهُ على سَبِيل التنصح فَذكرُوا ان رسوما للسُّلْطَان بأرمينية قد عفت ودرست وانه توقف عَن تتبعها إِلَى ان يعرف رَأْيه فِيهَا فَوَقع على ظهر رقعته: قَرَأت هَذِه الرقعة المذمومة وسوق السعاة بِحَمْد الله عندنَا كاسدة وألسنتهم فِي أيامنا كليلة فَإِذا قَرَأت كتابي هَذَا فاحمل النَّاس على قانونك وخذهم بِمَا فِي ديوانك فَلم ترد النَّاحِيَة لتتبع الرسوم الْعَافِيَة وَلَا لالحياء الْآثَار الدائرة وجنبني وتجنب بَيت جرير حَيْثُ يَقُول:
(وَكنت إِذا حللت بدار قوم ... رحلت بخزية وَتركت عارا)
وَأجر أمورك على مَا يكْسب الدُّعَاء لنا لَا علينا وَاعْلَم انها مُدَّة تَنْتَهِي وَأَيَّام تَنْقَضِي فَأَما ذكر جميل أَو خزي طَوِيل وَقد يجوز ان يُرِيد السُّلْطَان أمرا والرأي يُنَافِيهِ أَو يكره شَيْئا وَالصَّوَاب يَقْتَضِيهِ وَلَيْسَ من حكم الْأَدَب ان يُرَاجع بِإِقَامَة حجَّة وَاسْتِيفَاء مناظرة أَو يكاشف برد إِرَادَة وَاسْتِعْمَال مضادة فَإِن ذَلِك يَدْعُو إِلَى توغر الصُّدُور واللجاج فِي الْأُمُور وَعَلَيْك بالإشارات اللطيفة ومعاريض القَوْل الْخَفِيفَة وإيراد الْأَحَادِيث المشاكلة وَوضع الموضوعات المقاربة.
1 / 46