রোকাম্বোল
الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)
জনগুলি
أما مرتا، فإنها لم تر شيئا من هذه المعركة الهائلة؛ لأنها أغمي عليها، ووقعت قرب المقعد الذي كانت عليه جثة باردة بغير حراك، فلم ينتبها إليها، وشغلا عنها بما هما فيه، وكذلك الجيران والمارة فإنهم كانوا يسمعون صراخ المتقاتلين ولا يبالون، شأن سكان إيطاليا في ذلك الزمن؛ لكثرة تعدد مثل هذه الحوادث، ويقولون: ليس من الحكمة أن نتداخل في شئون الغير.
ومر عليهما ساعة وهما في أشد قتال حتى سالت الدماء من جسديهما، وصبغت ثيابهما بلون الأرجوان، فكانا إذا تعبا من الصدام يفترقان برهة وهما يلهثان لخفوق قلبيهما، وكلاهما ينظر إلى الآخر بعين الأفعى، ثم ينقضان على بعضهما انقضاض الكواسر، وما زالا يتراوحان بين النصر والفشل إلى أن لاحت فرصة لأندريا، فطعن خصمه بخنجره طعنة وقعت في عنقه؛ فسقط على الأرض لا يعي، وهكذا انتصر أندريا على أرمان، وأسرع إلى مرتا وهو مخصب بالدماء، فحملها بين يديه وخرج بها مسرعا فرحا وهو يقول: ظفرت بها وهي لي.
7
يوجد في باريس شارع عظيم بالقرب من مونتمارتر يدعى شارع بريدا يجتمع إليه الناس على اختلاف طبقاتهم، ومنازله مختصة بأرباب الحرف وبعض المتمولين، وكان يحيي به في أكثر الأحياء ليالي رقص عمومية يحضرها من يشاء بأزياء مختلفة، وبراقع على الوجوه يراد به التستر والخفاء، جريا على عاداتهم في مثل هذه الحفلات.
وقد غص في أحد الليالي منزل أحد المصورين بالناس، من مدعو وطفيلي، فدار الرقص والتفت الخصور وترنحت القدود على أطيب الألحان.
وإن بين أولئك المدعوين شابا مرتديا بملابس سوداء، وعلى وجهه برقع كان ينظر إلى تلك الحفلة نظرة الازدراء، وهو واقف على شرفة تطل على الطريق، لاه عن الرقص وبهجة ذلك المجلس بتأملات عميقة، وتصورات كان يجسمها التأثر فيخرجها صوتا متقطعا، بحيث لو دنا منه رقيب لسمع كل ما يقول.
وكان ينظر إلى منازل باريس وقصورها الباذخة بملء السويداء، وهو يقول بصوت منخفض: «هكذا تمر الحياة، وتسير بنا الأيام، وكلنا نسعى وراء السعادة، ونجد في أثر النعيم، ولا ينال من ذلك إربا ولا تقضى له لبانة. ارقصوا أيها المغترون، فإنكم لا تزالون في عنفوان الشباب ونضارة العمر، ولم تصلوا بعد إلى متاعب الحياة. افرحوا واضحكوا فإنكم لا تهتمون بغير أنفسكم، وأعينكم غافلة عن إخوانكم الذين يتعذبون ويبكون.
يا مدينة باريز العظمى، ويا ملكة العواصم، ويا أم البلاد، فيك اجتمع النعيم والهناء، وبساحتك استقر البؤس والشقاء. هنا النعيم طالع، وهناك البؤس مخيم، وأمامي الحظ مقيم، وورائي الكد عامل، وعن يميني أغاني السعداء وابتسام المحبين وأحلام الآمال الذهبية، وعن يساري بكاء المنكودين وشقاء الأرامل والأيتام وأنين الموجع ودموع ابن السبيل.
هنا ضجيج مركبات الموسرين، وهناك عويل المظلومين، وصوت سياط الجائرين، وقلقلة مفاتيح السارقين. أيتها المدينة العظمى لقد حويت وحدك من الفضائل والرذائل أكثر مما حوته جميع ممالك الدنيا! يا بابل القديمة ويا مرسح الوقائع الهائلة، لقد عجزت شرائعك عن معاقبة الجانين، وعجز أولو البر فيك عن إغاثة المساكين؛ فلا عوقب المسيء ولا كوفئ المحسن، فمن لك برجل موسر طاهر الأخلاق يغل يد الظالم، ويجبر قلب البائس، ويرثي لدمع الأرملة، ويحن لشقاء اليتيم؟ أواه ومن لي بالمال؟ فلو كنت مثريا لكنت ذلك الرجل.»
وقال ذلك ثم تنهد تنهدا طويلا، وحاول الدخول إلى ساحة الرقص فاعترضه أحد الرقاصين، وكان متسترا بثوب أيكوسي وقال بلهجة سخرية: عفوا يا سيدي، فإني أرى تشابها بين أخلاقك وثوبك المقتم.
অজানা পৃষ্ঠা