في مجلس جعل السرور جناحه ... ظلا لنا من طارق الحدثان
لا تسمع تصفيق الجليس ونقره ... وبكاء راووق وضحك قناني
وأنشدني محيي الدين ﵀ من الخفيف
أنا في منزلي وقد وهب الله صديقا وقينة وعقارا
فابسطوا العذر في التأخر عنكم شغل الحلي أهله أن يعارا
فهذه أشعار روائع، ومعان نواصع، وألفاظ حلوة المبادئ والمقاطع، وهذا المختصر لا يحتمل التطويل، وقد يستغني عن الكثير بذكر القليل، فلما أنجزت كل الأمور وأعددت أسباب السرور، أخذت في الانتظار وقد تقوضت خيام النهار وحال لون الشمس إلى الاصفرار، وخلعت لباس الورد، وارتدت بالبهار، أقبلت تميس كأنها غصن بان وترنو بعين ظبي وسنان.
من الكامل
تمشى قناة ثم تذكر قدها ... أن التثني للغصون فتثني
فأضاء الأفق بنورها وسلبت الليلة لباس ديجورها، من الطويل
فوالله ما أدري أأحلام نائم ... ألمت بنا أم كان في الركب يوشع
وخلفت الشمس عند مغيبها، وزادت عليها بحسنها وطيبها، فتلقيتها بدمع أجراه الفرح والجذل، وأطلقه السرور فسح وهمل، فقالت ما هذا البكاء، وقد واصل الحبيب وغاب الرقيب، وعالج الداء الطبيب: من الكامل
فأجبته لما رأيتك زائري ... وسمحت لي بعد النوى بتداني
طفح السرور علي حتى أنني ... من عظم ما قد سرني أبكاني
فدخلت أمامها إلى الدار، ونعمت عينا بالجار، وشممت نشر درك الأماني والإطار، واستقر بها المجلس فأعجبها ترتيبه، وراقها لوجه وطيبه، وأخذنا في شاننا، واستنطقنا ألسن عيداننا، وكدنا نطير ونحن في مكاننا، ودارت كؤوس الراح ورشفنا شفاه الأقداح، فلما أخذت مأخذها من الهام، ودبت دبيب البرء في السقام، انبسطت وتم أنس، وتحرك ساكن، وصفا أجن، واجتمع أحباب، وجرت أسباب، وعطفت أجياد على أجياد، وقرب فؤاد، وواصل محب حبيبه، وأمن عاذله ورقيبه. من الوافر
تأمل من خلال الشك فانظر ... بعينك ما شربت ومن سقاني
تجد شمس الضحى تسري بشمس ... إلي من الرحيق الخسرواني
وهصرت قدود، وجنيت خدود، وضمت نهود ورشفت ثغر برود، وقبلت شفاه وثغور، وتمت أحوال وأمور، واستحكم فرح وسرور، وأشرق على وجه الأنس نور، وخلع عذار ونبذ وقار، وشربت عقار، وطلب عند الهم ثار، وطافت كؤوس، وطابت نفوس، وجنيت غروس، وجليت عروس، وزال هم وبؤس، وأدال دهر، وجرى نهر، وفتح زهر، وقرب وصل، وبعد هجر، وتدانت قلوب، وساعف محبوب، وحصل مطلوب، وأصحب محبوب، وأنشد، ولبى ذاهل، ونادى الأنس أهل: من الطويل
رعى الله ليلا ضمنا بعد فرقة ... وأدنى فؤادا من فؤاد معذب
فبتنا جميعا لو تراق زجاجة ... من الراح فيما بيننا لم تسرب
وجربنا في ميدان الخلاعة، وبذلنا في طاعة الهوى جهد الاستطاعة، وعاصينا الوقار والنهى، وبلغنا كل قلب ما اشتهى، وأعطينا النفوس أمانيها، وسلمنا قوس التصابي إلى باريها، وجنيت ثمار المعاني وحصلت على المطالب والأماني، وأنشدت أبيات أبزون العماني: من البسيط.
أفدي الذي زارني والليل معتكر ... والأفق مما اكتسى من عرفه عطر
فلم نزل نتجارى في العتاب معا ... أشكو إليه جفاه وهو يعتذر
حتى إذا ما اعتنقنا واستتب لنا ... على إرادتنا عيش له خطر
ناديت يا ليل دم ليلا بلا سحر ... فقال ليلك هذا كله سحر
وذكرت في وصف الحال، والاستعانة بالليل على استمرار الوصال، قول من قال: من السريع
بتنا على حال نسوء العدى ... وربما لا يمكن الشرح
بوابنا الليل وقلنا له ... إن غبت عنا دخل الصبح
وحثحثنا الطاس والكأس، ودبت الحميا في القدم والرأس، وتمشت في المطا والقوائم، وسرت سرى الكرى في مقلة النائم، وأنشدت الأبيات النوادر، الدالة على قوة عارضة الشاعر، التي تجاري نسيم السحر لطفا، وتفوق نظم الدرر وصفا ورصفا.
من الكامل
عاطيته والليل يسحب ذيله ... صباء كالمسك الفتيق لناشق
وضممته ضم الكمي لسيفه ... وذؤابتاه حمائل ي عانقي
حتى إذا مالت بهسنة الكرى ... زحزحته عني وكان معانقي
أبعدته عن أضلع تشتاقه ... كيلا يبيت على فراش خافق
1 / 18