تَفَرَّقت السبل بِاتِّبَاع وَاصل وتناولوا من كتب اليونان مالاق بعقولهم وظنوا من التَّقْوَى أَن تؤيد العقائد بِمَا أثْبته الْعلم بِدُونِ تَفْرِقَة بَين مَا كَانَ مِنْهُ رَاجعا إِلَى أوليات الْعقل وَمَا كَانَ سرابا فِي نظر الْوَهم فخلطوا بمعارف الدّين مَالا ينطبق على أصل من أصُول النّظر ولجوا فِي ذَلِك حَتَّى صَارَت شيعهم تعد بالعشرات أيدتهم الدولة العباسية وَهِي فِي ريعان الْقُوَّة فغلب رَأْيهمْ وابتدأ علماؤهم يؤلفون الْكتب فَأخذ المتمسكون بمذاهب السّلف يناضلونهم معتصمين بِقُوَّة الْيَقِين وَإِن لم يكن لَهُم عضد من الْحَاكِمين
عرف الْأَولونَ من العباسيين مَا كَانَ من الْفرس فِي إِقَامَة دولتهم وقلب دولة الأمويين واعتمدوا على طلب الْأَنْصَار فيهم وَأَعدُّوا لَهُم منصات الرّفْعَة بَين وزرائهم وحواشيهم فعلا أَمر كثير مِنْهُم وهم لَيْسُوا من الدّين فِي شَيْء وَكَانَ فيهم المانوية واليزدية وَمن لادين لَهُ وَغير أُولَئِكَ من الْفرق الفارسية فَأخذُوا ينفثون من أفكارهم ويشيرون بحالهم وبمقالهم إِلَى من يرى مثل آرائهم أَن يقتدوا بهم فَظهر الْإِلْحَاد وتطلعت رُءُوس الزندقة حَتَّى صدر أَمر الْمَنْصُور بِوَضْع كتب لكشف شبهاتهم وَإِبْطَال مزاعمهم
فِيمَا حوالى هَذَا الْعَهْد كَانَت نشأة هَذَا الْعلم نبتا لم يتكامل نموه وَبِنَاء لم يتشامخ علوه وَبَدَأَ علم الْكَلَام كَمَا انْتهى مشوبا بمبادىء النّظر فِي الكائنات جَريا على مَا سنه الْقُرْآن من ذَلِك
وَحدثت فتْنَة القَوْل بِخلق الْقُرْآن أَو أزليته وانتصر للْأولِ جمع من خلفاء العباسيين وَأمْسك عَن القَوْل أَو صرح بالأزلية عدد غفير من المتمسكين بظواهر الْكتاب وَالسّنة أَو المتعففين عَن النُّطْق بِمَا فِيهِ مجاراة الْبِدْعَة وأهين فِي ذَلِك رجال من أهل الْعلم وَالتَّقوى وسفكت فِيهِ دِمَاء بِغَيْر حق وَهَكَذَا تعدى الْقَوْم حُدُود الدّين باسم الدّين
على هَذَا كَانَ النزاع بَين مَا تطرف من نظر الْعقل وَمَا توَسط أَو غلا من الإستمساك بِظَاهِر الشَّرْع وَالْكل على وفَاق على أَن الْأَحْكَام الدِّينِيَّة وَاجِبَة
1 / 10